لمرات كثيرة لا أتذكر عددها أو مناسباتها، طرحت على نفسي سؤالاً حيرني، عن سر إبداع كثير من اليمنيين خارج الحدود، ولقد أعيتني الحيلة والبحث في محاولات متكررة للإجابة عنه، دون جدوى ، ليس لصعوبة السؤال، بقدر ما هي صعوبة الإجابة عنه بثقة وبنوعٍ من اليقين الذي لا يخالطه شك. وأحسب كثيرين منا قد واجهوا نفس السؤال، وربما وصلوا إلى نفس النتيجة أو الإجابة، أو كانوا قريبين منها. وسبب تكرار طرح ذات السؤال يرتبط باعتقاد شخصي، وربما قناعة أو إيمان راسخ مفاده أن معرفة أسباب ودوافع الإبداع، ومحفزاته أو معيقاته داخلياً وخارجياً، ربما ستكون عاملاً فارقاً في إدراك كل عوامل الإبداع أو الإحباط الفردي والجماعي، وفاصلاً جوهرياً بيننا وبين فهم كثير مما يدور في مجتمعنا من أحداثٍ وتحولاتٍ، وأيضاً ما يحدث فيه من صراعاتٍ ومنازعات مستمرة ودورية، وأن الإجابة الصحيحة عنه ستمثل مدخلاً عملياً لفك كثير من عقدنا ونقائصنا التي حاولنا عبثاً تجاهلها، وهي العقد ذاتها التي يتجاوزها الإنسان اليمني خارج الحدود لأسباب ولعوامل عديدة، نجهل أكثرها، أو نرفض الاعتراف بها، وربما نغالط أنفسنا كي لا نحددها. في ذهن كل فرد منا تجربة أو تجارب إبداع، ولحظة / ات تألق، وانتصارات وإنجازات عظيمة وكثيرة حققها أو شهدها كثير من أبناء مجتمعنا خارج حدود “الوطن”، في مجالات الإبداع والتميز وميادينه المختلفة، سواء منها ما حققه هو نفسه، أو ما شارك فيه مع آخرين، أو قد يكون شاهد تحقيق آخرين لذاك الإنجاز، قد يساعد تسجيلها (أعني تلك المشاهدات ولحظات الإبداع والتألق الفردي أو الجماعي لأبناء المجتمع اليمني) في الإجابة عن السؤال: لماذا يبدع الإنسان اليمني خارج الحدود؟ ولماذا يخفق أو يقل إبداعه داخل الوطن؟ (مع تقديري واعتذاري لكل المبدعين داخل الوطن، الذين تجاوزوا حدود اليأس، وتغلبوا على ظروف الإعاقة، ولم يستسلموا للواقع وتحدياته). لا أريد أن أوجه النقاش ضمن إطارٍ واحد، أو حبسه في حدودٍ معينة، ولا أرغب في جر جميع الآراء إلى اتجاه محدد، لكنني أرجو أن يكون حواراً مفتوحاً وعلنياً وصادقاً يمكن أن يعمم مع كل من تعرفونه، لعلَّنا جميعاً نحدد أسباب النجاح والتميز فينا، وندرك عوامل الفشل الذاتي والجماعي وبواعثه ومنشأه داخلنا، ومعيقاته في بيئتنا ومجتمعنا. ربما قد نساهم جميعاً في إحياء الرغبة الفردية أو الجماعية الدفينة، وعناصر الإبداع الكامنة والتي وئدت داخل أكثرنا في التطلع إلى التميز والإبداع في كافة المجالات والميادين والتخصصات داخل “الوطن”، وهي الرغبة التي قد تنعكس في حال إعادة بعثها فينا على واقعنا اليمني، وبشكل يفيدنا في انتشال أنفسنا ومجتمعنا مما نحن فيه من اليأس والاستسلام لواقعٍ لا نريد أن نغيره .. أو استسلمنا له، أو عجزنا عن تغييره، وتباكينا ليلاً ونهاراً على آثار استسلامنا له. ولأننا ندرك أن أي تغيير لواقعنا لن يتأتى إلا إن تظافرت جميع الجهود، واجتمعت كل الأيادي لتغيير واقعنا، واستثارة كل عناصر الإبداع والخلق، والتغيير مصداقاً لقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)، صدق الله العظيم، (سورة الرعد: الآية 11). رابط المقال على الفيس بوك