قديماً قرأنا في بعض كتب الفكر العربي مقولة مشهورة مضمونها ينطوي على مقولة: “ليس بالإمكان أبدع مما ان” ويقال: إن نسبتها تعود إلى (الإمام أبو حامد الغزالي) وربما قالها في سياق معين وفي تاريخ معين رداً على موقف أو سؤالٍ معين أو حادثة بعينها، وهذه النقطة ليست محل تناولتنا، فقد سبق للمختصين الإجابة عنها وتوضيحها في مؤلفاتٍ عديدة تزخر بها مكتباتنا،(وسيجد القارئ في ذلك مذاهب عديدة وأقوالا مختلفة لن تتسع لها هذه التناولة). لقد ظل كثيرون منا يرددون تلك المقولة بطريقة آلية وعفوية وببراءة أو بخوفٍ، وكان بعضنا يوظفونها بغباء أو بدهاء أو بتواطؤ بين حينٍ وآخر، تبعاً لمستوياتهم أو لمواقفهم أو انتماءاتهم أو لمواقعهم المذهبية والفكرية والسياسية والاجتماعية ...، ولن نقف كثيراً أمام محاولة فهم معناها وأبعادها وظروف قولها، مع أنها تضمر في ذاتها كثيراً من معان : التحجر والجمود، والإحباط، والعجز، والاستسلام، والانهزامية، والدعوة إلى تقبل الأمر الواقع كقدرٍ محتوم لا يجب ولا يُستحَبُّ السعي لتغييره، مهما بدا مجافياً للمنطق أو العقل، وإن ظهر مخالفاً للواقع، وحتى إن بدا مغالطاً للحقائق التاريخية. متناسين قول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}، صدق الله العظيم، [ سورة الرعد، الآية: 11]. وأن بالإمكان أحسن مما كان، لكنها عقدة “النقص”، وسلوك المقهور. في هذا الصدد، كنت أتوقع ومعي كثير من أبناء هذا الشعب الأبي أن تتغير طرق رؤيتنا لأنفسنا ولقدراتنا ولحدود مقدرتنا على تغيير الواقع الذي استسلمنا له وتخلينا عن محاولة تفسيره بنية تغييره. ومعها انتظرنا أن تتغير رؤية مسئولينا وحكومتنا لواقعنا وإمكاناتنا ومخزوننا الطبيعي من الموارد المادية والبشرية الذي لا ينضب، بدليل أنه يشكل خزاناً احتياطياً يساهم في عملية البناء والنهضة والتنمية والتطوير بجميع دول الجوار الإقليمي. وكنت أتمنى أن نشرع جميعاً بطرح الأسئلة عن أسباب اختلاف وتخلف مجتمعنا واقتصادنا عن اللحاق بالركب الكوني، وأن نجري أبحاثاً ودراسات مقارنة وشاملة لمعرفة عوامل وظروف النهضة الاقتصادية والتنموية الكبرى التي شهدتها مجتمعات ودول العالم وخصوصاً دول شرق آسيا كونها أقرب إلى ظروفنا وبيئتنا الثقافية والاجتماعية, وسبل الاستفادة منها في انتشال واقعنا الوطني من حالة “التأخر” والركود. وكنت انتظر أن تستدعي حكومتنا الوطنية جميع الخبراء والمختصين من “الوطنيين” أبناء هذا المجتمع المتأثرين بعوامل الإقصاء، والمتناثرين داخل وخارج الوطن رجالاً ونساء، ليتدارسوا مع مسئولينا وقياداتنا وكل محب لهذا الوطن مختلف الظروف المحيطة والمحبطة لكل تنمية والمعيقة لأي تقدم، وأن نوفر لهم جميع التسهيلات والإمكانيات والمساعدات المادية والبشرية التي تعينهم على أن يضعوا لمجتمعنا حلولاً آنية ومستقبلية للمضي بوضعنا الاقتصادي والسياسي في الاتجاه الذي نرجوه، وأن نمكنهم من نقل خبراتهم التي اكتسبوها عبر السنين إلى أرضهم ومجتمعهم، بدلاً من أن نستنجد بالخبير الاقتصادي الدولي المسلم الماليزي (البروفيسور مهاتير محمد)، متوقعين أن “يستنتج” ببساطة أسباب وعوائق التنمية الوطنية عبر قيامه بزيارة واحدة، وأن “يستنسخ” عناصر النهضة الماليزية وينقلها “بعصاه السحرية” باقتراحٍ مريح أو بواسطة “بساط الريح” إلى البيئة والواقع اليمني المختلف عنها جملة وتفصيلاً، ويبدو أنها عقدة “النقص” التي سيطرت علينا جميعاً بسبب موروثنا وثقافتنا الشعبية المتناقلة عبر الأجيال وما أسماها بعض المفكرين “العقدة اليزنية”، وسيكولوجية المسئول اليمني “المقهور”، الذي يرى في الجميع خبراء ومصلحين وطنيين، ويعجز أن يرى بين الجميع “خبيراً” ومصلحاً من الوطنيين. متناسياً أن جميع تجارب التنمية والنهضة العالمية تمت على أيدي أبناء المجتمع نفسه، وبخبراتٍ وطنية ومحلية، حددت جميع الأسباب والظروف المعيقة والعوامل أو المنطلقات المعينة على تحقيق التنمية الوطنية.. وحتى عندما تفتق ذهن حكومتنا “الوطنية” العبقرية عن فكرة وضع مشروع دستور “وطني” جديد يناسب “المرحلة”، يبدو أنها نسيت أو تناست عشرات الأساتذة من فقهاء القانون “الوطنيين” الذين يعملون في كلياتنا وجامعاتنا “الوطنية”، وأعتقد أنها تجاهلت كوادرنا الذين لا تقل قدراتهم وخبراتهم عن نظرائهم في جميع دول العالم غرباً وشرقاً، وأغفلت أو تغافلت عن حقيقة أنهم يتفوقون على الخبراء “غير الوطنيين” بمعرفتهم العميقة بجميع تفاصيل ووقائع الواقع “الوطني”، وتوازناته، وتقسيماته، وحساسياته وحساباته، إلى جانب الخبرة القانونية التي اكتسبوها في كثير من جامعات العالم شرقاً وغرباً، وأنهم نالوا شهاداتهم العلمية بتميز بين أولئك النظراء الذين تستعين بهم حكومتنا الوطنية؛ فلم تجد أمامها إلا الخبراء “الغربيين” وبيوت الخبرة “الفرنسية” لوضع دستور عصري أو “مودرن”.. ويبدو أنها الحساسية المفرطة إزاء كل ما هو “وطني”، وعقدة النقص التي تزين لمسئولينا الانبهار بكل ما “غربي” أو غير وطني. أليس في جميع مؤسساتنا القانونية والجامعية من يملك القدرة على صياغة نصوص مشروع دستور جديد لبلادنا؟! – جامعة إب