لقد ضُربت الثقافة العربية بمقتل خلال الأربعة العقود الأخيرة.. خلال فترة النضال العربي، وحركة التحرر العربية ضد الاستعمار وكذا خلال حركة التحرر العالمية.. نشأت ثقافة عربية وطنية قومية إنسانية، وهي ثقافة تسلح بها الشعب العربي من المحيط إلى الخليج، وتوحد تحت راية القومية.. مع اختلاف الدين والعرق واللون، وارتبطوا مع شعوب العالم الأخرى بسمو الانتماء العربي من العرقية والتمييز والعنصرية.. فألف العرب مع شعوب العالم علاقات إنسانية راقية، وشكلوا تحالفاً مع شعوب العالم في أفريقيا وآسيا، وأمريكا الجنوبية جبهة إنسانية عريضة تحت راية «حركة التحرر العالمية» ضد الاستعمار، والإمبريالية، والتي تبلورت فيما بعد بما سمي ب «حركة الحياد الإيجابي، وعدم الانحياز» وهي حركة في مواجهة التحالفات الكبرى وآلية في حفظ التوازن الدولي، وبالتالي حماية الأمن والسلام الدوليين.. وهكذا اكتسب الوطن العربي، والأقطار العربية، وبقية دول العالم الثالث التي تحررت بعد الحرب الثانية مكانة دولية حصنتها أمنياً من القوى العالمية الإمبريالية الاستعمارية.. وخلال هذه الفترة عاش العرب أفضل عقودهم في العصر الحديث. لكن لم تيأس قوى الاستعمار والإمبريالية بل ظلت تعمل حثيثاً وتنفق كثيراً لضرب الثقافة الوطنية القومية الإنسانية في الوطن العربي وفي بلدان العالم الثالث.. لأنها الثقافة المقاومة، والممانعة، والرافضة للاستعمار وأعوانه، وجند إعلامه، واستخباراته، ودبلوماسياته، وكل إمكاناته لقصف الثقافة الوطنية القومية الإنسانية التحررية، وإحلال ثقافات تمزيقية، تجزيئية، عصبية، تطرفية، وظل يغذيها، ويدعم، ويساند، ويمول آليات محلية لبث هذه الثقافة، بعد أن حددت له الطريق الدراسات والأبحاث التي كان يقوم بها باحثون متخصصون، يأتون ضمن طاقم السفارات وضمن هيئات إنسانية في الأصل هي تجسسية، وعبر موظفيه في البعثات الدولية في بلدان العالم.. حتى تبينت له مواطن الضعف مثل الأسرية العشائرية القبلية، الجهوية، المناطقية، الطائفية، المذهبية، وبدأ يعزف على مثل هذه الظاهرات، ويزيد من تغذيتها، ودعم، وتمويل، واحتضان زعامات لها ليفجروا ويعززوا من هذه الانتماءات الضيقة، العصبية المتطرفة كثقافة جديدة هيأت له الظروف والمناخات اللازمة لإشعال الفتن، والحروب الأهلية التي تطحن الوطن العربي، وبلاد الإسلام، وبلاد العالم النامي. وكانت الحصيلة هي ما وصلنا إليه في البلاد العربية.. وهو ليس خاف على أحد، فالفتن العصبية المتطرفة مشتعلة بين أبناء الأمة إلى حد صاروا يقومون نيابة عن الاستعمار والصهيونية في تخريب وتدمير دولهم، وجيوشهم، واقتصادياتهم، ومجتمعاتهم بأيديهم تحت شعارات كاذبة مثل الثورات، والحريات، والديمقراطيات.. وهكذا نال منا الاستعمار الإمبريالي الغربي الصهيوني من خلال هدم ثقافتنا الوطنية القومية الإنسانية، وإحلال الثقافة الضيقة المتعصبة المتطرفة، فهل نصحو ونعود إلى ثقافتنا الوطنية القومية الإنسانية؟ رابط المقال على الفيس بوك