حتى الآن، فإن الاستخلاصات الأولية للسجالات التي تدور في أروقة الفرق التسع المنبثقة عن مؤتمر الحوار الوطني تدل – بما لا يدع مجالاً للشك – بأن ثمة حرصاً على نجاح التسوية السياسية في إطار الحوار والتسليم بأهمية مخرجات هذه العملية، وذلك على الرغم من انسحاب أو تردد بعض القوى في التفاعل بجدية مع هذه التسوية. ومن الطبيعي أن تشهد الأيام المقبلة سجالاً معمقاً وتبايناً في الآراء داخل كل فريق على حدة، بهدف التوصل إلى الصيغ الأنسب لتصورات شكل المستقبل الذي ينبغي أن يكون عليه حال مؤسسات الدولة المرتقبة أياً كانت، والتي تتأطر في أهمية بناء الدولة المستقبلية الحديثة والمتطورة والتي ينبغي أن تقوم على أسس العدل والمساواة والحرية وكفالة الحقوق دون انتقاص وتطبيق سيادة النظام والقانون على الجميع دون استثناء. لقد رأينا خلال الفترة المنصرمة من أداء هذه الفرق لمهامها حرصاً وطنياً من الأحزاب والتنظيمات السياسية المشاركة على مبدئية التوافق إزاء القضايا الملحة ومنها – على سبيل المثال – هوية الدولة وأسس بنائها، فضلاً عن مقومات العدالة الانتقالية والإطار الاقتصادي والشراكة الاجتماعية ووظيفة المؤسسة الدفاعية والأمنية وغيرها من القضايا ذات الصلة بمعايير بناء الدولة المدنية. وعلى الرغم من التفاؤل بالتوافق الوطني المسئول الذي عبرت عنه القيادات الحزبية في إطار إنجاز مشروع التسوية السياسية ممثلاً بالحوار الوطني الشامل، إلاّ أن ثمة تحدياً حقيقياً سوف يلقي بظلاله – أياً كانت مآلاتها – على أجواء ومخرجات هذه العملية السياسية.. وأعني بذلك ملف القضية الجنوبية، إذ يمثل نجاح فريق هذه القضية بارقة الأمل الوحيدة لإخراج الوطن من أسر تحديات الأزمة بكل تفاصيلها المحزنة، والعكس صحيح أيضاً إذا ما وصل هذا الفريق إلى طريق مسدود، سواءً في تقديم رؤيته للحل الوطني المتكامل أو في استيعاب الأطراف الأخرى لطبيعة وخاصية هذا التحدي الوطني الذي – في حال فشله – سوف يرتب أعباءً سلبية وخطيرة على مسيرة التسوية برمتها. من هنا تأتي أهمية التأكيد مجدداً على ضرورة بذل المزيد من الجهود الحثيثة لتقريب وجهات النظر وتفعيل وتيرة أداء هذا الفريق، باعتباره مربط الحل أو الفشل، وذلك من خلال استكمال تنفيذ النقاط العشرين التي اقترحتها اللجنة الفنية للحوار وعرضتها على الأخ الرئيس عبدربه منصور هادي قبل عدة أشهر وبما يساهم في تضميد اللُحمة الوطنية وتعزيز الثقة وروح الوفاق مقابل إحساس الأطراف الأخرى بدقة الظرف التاريخي العصيب الذي يمر بهِ الوطن اليمني اليوم واستيعاب حدة الاستقطابات الإقليمية لجر هذا الجزء من منظومة جغرافيا الجزيرة والخليج إلى مربعات الصراع الإقليمي القائم حالياً وبوتيرة خطيرة على السلام الإقليمي والدولي! أخيراً ، لا شك بأن الأمل في إنجاز هذه التسوية سيبقي مُعلقاً على النخب السياسية، خاصة وقد سنحت لها الفرصة للقيام بهذه المسئولية على أكمل وجه، ما لم فإن الخيارات البديلة ستكون مريرة وكلفتها باهظة على أمن واستقرار اليمن والمنطقة على حد سواء.. وعندها – فقط – قل علينا السلام !!. رابط المقال على الفيس بوك