لا شك أن أكبر ثورة في الإطار العالمي هي الثورة الإعلامية، فلم تداني تطورها العلمي أي ثورة أخرى، لا سياسية ولا اجتماعية ولا اقتصادية ولا أي ثورة تحت أي مسمى، بل إن الثورة الإعلامية هي المتغير الأساسي المؤثر على كل الثورات التي يخلقها هو، ولو جئنا إلى ثورات الربيع العربي السياسية التي لا تزال تتوالد لوجدنا أن الإعلام هو المحرك الأساسي لها ولولا هو لما نجحت تلك الثورات، فالإعلام بوسائله المختلفة المقروءة والمسموعة والمرئية والالكترونية يدخل بدون استئذان إلى داخل كل غرفة، فهو الذي يشكل الرأي العام المحلي والعالمي، وهو الذي يحول الهزيمة إلى نصر والفقر إلى غنى والفشل إلى نجاح، والخيانة إلى عمل وطني، والفاسد إلى مصلح، فباستطاعته أن ينير دروب بني الإنسان، وباستطاعته أن يضلل أفكار نسبة كبيرة من شعوب العالم، بتشكيل عجينتها كيف يشاء. هنا في اليمن كانت الحكومة مسيطرة على وسائل الإعلام سيطرة كاملة حتى قيام الوحدة سنة 1990 فقد سمح دستور دولة الوحدة للموطنين أن يدلوا بآرائهم قولا وكتابة تزامنا مع الحق في الانتماء الحزبي والنقابي، وتبعا لذلك صدرت الكثير من الصحف الحزبية والأهلية واكتفت الحكومة باحتكار الإعلام المرئي، ونتيجة للتطور الهائل في البث الفضائي الدولي الذي مكن المواطنين من التعبير عن آرائهم عبر الإعلام المرئي العالمي اضطرت الحكومة اليمنية أو عجزت عن منع قيام بعض الهيئات والأشخاص بإنشاء محطات أو قنوات فضائية ومواقع الكترونية نافست بها البث الحكومي حتى أصبح الخبر متاحا للجميع لا أحد يستطيع أن يمنعهم من تتبعه. ورغم أن الإعلام الحكومي في الوقت الحالي قد أصبح تأثيره محدوداً في ظل آلاف القنوات الفضائية ووسائل الإعلام الأخرى التي قد تكشفه حينما يجانب الصواب إلا أن استقلاليته من قبضة الحكومة موضوعة أمام مؤتمر الحوار الوطني. والاحتمال كبير أن يتبنى المؤتمر إلغاء وزارة الإعلام، استجابة لمطالب الكثير من منتسبيها وغير منتسبيها الذين ينادون بمنح الإعلام الحكومي الكثير من الصلاحية والاستقلالية المالية والإدارية حتى يتحرر من السيطرة الحكومية الموجهة، التي في الأخير تضعفه في سوق المنافسة الإعلامية، ولكي يستطيع أن يخدم الوطن لا الحكومة الحزبية. وبحيث تحل محل وزارة الإعلام هيئة وطنية لا تتبع السلطة التنفيذية إلا تبعية شكلية أو نسبية من حيث حصر اختصاص السلطة التنفيذية في إصدار قرار التعيين أو الاستبعاد بناء على رأي من خارجها. أو اختيار شخص أو أشخاص من بين مرشحين محدودين لقيادة المؤسسة المستقلة. أقول ذلك بعد زيارة ميدانية لبعض المؤسسات الإعلامية قامت بها مجموعة الإعلام المنبثقة عن فريق استقلالية الهيئات إحدى مكونات مؤتمر الحوار الوطني، لكن لا يزال أمامنا سؤال هام، فهل هناك وسيلة فعلية تحرر وسائل الإعلام الحكومية وتمنحها الاستقلالية الكاملة من قبضة الحكومة وغير الحكومة؟ اعتقد أننا لن نجد الاستقلالية الكاملة في الواقع العملي وإنما ستكون استقلالية نسبية، لأن أداتها هم أشخاص يسمونهم (عبيد الإحسان) فإذا كانوا سيتخلصون من عبادة الحكومة أو الشخص الذي عينهم فإنهم سيخلقون لهم معبوداً آخراً وهو الذي رشحهم أو اختارهم من بين عدة مرشحين لقيادة الهيئة البديلة للوزارة فالاختيار من بين عدة مرشحين هي الآلية التي يتم بها تعيين قيادة الهيئات المستقلة وسيكون ولاؤهم له من باب رد الجميل أو من باب تأسيس لوبي ضد لوبي على الأقل، ولنا في ذلك أمثلة كثيرة نستخلصها من قيادة الهيئات التي نعتبرها مستقلة، كاللجنة العليا للانتخابات والهيئة العليا لمكافحة الفساد والهيئة العليا للرقابة على المناقصات، بل وقيادة سلطات الدولة الثلاث التشريعية والقضائية والتنفيذية، وغير ذلك من الهيئات واللجان المستقلة بحكم الدستور أو القانون، فهل قيادة هذه الهيئات مستقلة تماما لا تدين بالولاء للذي رشحها أو الذي اختارها من بين عدة مرشحين؟ ! بالتأكيد لا . الخلاصة أن منح الاستقلال النسبي للإعلام الوطني وهو السلطة الرابعة سيكون أفضل من الوضع السابق، لكن قبل ذلك فأن منح الاستقلالية بحاجة إلى دراسة عميقة من قبل الفريق المختص، فاستقلالية الإعلام إن منحت أو منعت يجب أن تتزامن في كل الأحوال بضوابط ومعايير قانونية ملزمة. فهناك ما هو أهم من الاستقلالية وهو الالتزام بنصوص الدستور والقوانين سواء في ظل استقلالية الإعلام النسبي أم في تبعيتها للحكومة، فالذي عطل مؤسسات الدولة وأفرغها من وظيفتها في المرحلة السابقة هو تجاوز القوانين واللوائح المنظمة لها لا عدم منحها الاستقلالية. رابط المقال على الفيس بوك