من المقولات الرائجة والمنتشرة بيننا مقولة ( لو كان الزمان يأتي بأحسن ما مات رسول الله ولا قامت القيامة !...) فهل هذه مقولة صحيحة ؟ لن أقدّم رأيي استباقا ، بل دعونا نراجع التاريخ - المعلم الأكبر للبشرية ومخزن تجارب الانسانية كلها - سنجد أن الأمم يدور بها دولاب الزمن ما بين انكسار وانتصار يعقبه انكسار ثم انتصار وهكذا دواليك .. ولم تدم هزيمة منيت بها أي أمة في معركة ما طيلة الزمن بل تجاوزتها تلك الأمة إلى انتصار لاحق ولا دام مجد طيلة الزمن بعد اعقبه انكسار وهكذا ، ولنقرأ تاريخنا العربي الإسلامي سنجد أن الصليبيين لمّا احتلوا بيت المقدس عام 1099م لم يقف التاريخ عند ذلك الحدث ، فبعد أكثر من 90 عاما استطاع صلاح الدين الأيوبي استرداد القدس من الصليبيين عام 1187م بعد معركة حطين الخالدة… فهل صدقت مقولة (أن الزمن لا يأتي بأحسن) ؟ ومن أين جاء صلاح الدين إذا كان الدهر لا يأتي بأحسن ؟ وهذه مصر شاهدة على خطأ هذه المقولة فقد انكسرت مصر في نكسة عام 1967م لكنها عبرت في اكتوبر 1973م ،وثارت في 2011م … واقرأوا التاريخ ففيه الكثير من الشواهد على خطأ تلك المقولة الهدّامة للنفس..... فلا تصدقوا المثبطين .. أما عن موت رسول الله صلى الله عليه وسلم - كما جاء في تلك المقولة - فأستغرب من ذلك الربط بين موته عليه السلام وقيام القيامة وعدم مجيء الزمان بأحسن ، والرسول صلى الله عليه وسلم بشر بشهادة القرآن الكريم ويجري عليه ما يجري على البشر من أعراض ومنها الموت .. يقول الله تعالى : {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر : 30] ويقول سبحانه : {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} [الأنبياء : 34] نعم موت الرسول عليه الصلاة والسلام خسارة على البشرية جمعاء - وليس علينا نحن المسلمين فقط - برفع الوحي واتصاله بالأرض ،لكن موته-عليه السلام - كان ضمن مجرى السنن الكونية بانتهاء النبوة واختتام الرسالة بشخصه الشريف ، وكذلك قيام القيامة هو الآخر سنة الله في الأرض لانتهاء الحياة الدنيا ، بغض النظر عن الحسن أو السوء في الأرض … أما تداول الخير والشر في الأرض ففي سنة المصطفى حديث شريف حول تداول الخير والشر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه..... عن حذيفة بن اليمان – رضي الله عنه – قال : “ كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير ، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يُدركني . فقلت يا رسول الله : إنّا كنّا في جاهلية وشرّ ، وجاء الله بهذا الخير ، فهل بعد هذا الخير من شر ؟ قال صلى... الله عليه وسلم : نعم قلتُ : وهل بعد هذا الشر من خير ؟ قال عليه افضل الصلاة وأتم التسليم : «نعم ، وفيه دخن» قلت : وما دخنه ؟ قال عليه الصلاة والسلام : قوم ( يستنون بغير سُنَّتي ) ، ويهدون بغير هدى ، تعرف منهم وتنكر. قلت : فهل بعد ذلك من شر ؟ قال صلى الله عليه وسلم : نعم ، دعاة على أبواب جهنم ، من أجابهم إليها قذفوه فيها قلت : يا رسول الله صِفهم لنا. قال عليه الصلاة والسلام : ( هم من جلدتنا ، ويتكلمون بألسنتنا ) قلت : فبم تأمرني إنْ أدركني ذلك ؟ قال صلى الله عليه وسلم : ( تلزم جماعة المسلمين وإمامهم ) قلت : فإنْ لم يكن لهم جماعة ولا إمام ؟ قال عليه الصلاة والسلام : ( فاعتزل تلك الفرق كلها ، ولو أن تعض بأصل شجرة ، حتى يدركك الموت وأنت على ذلك.....) فمنْ يتدبر هذا الحديث ؟ بعيداً عن التنطع والجدال بين فرقنا وطوائفنا الدينية حول منْ هم جماعة المسلمين وأمامهم وغير ذلك… إنما الشاهد من ذلك نقض مقولة ( لو كان الزمان يأتي بأحسن ما مات رسول الله ولا قامت القيامة !...). والله أعلم. رابط المقال على الفيس بوك