المتحد الاجتماعي الثقافي التاريخي يحمل في داخله معنى الوحدة في التنوّع، لا التنوع البديل عن الوحدة، والحاصل أن العالم العربي بجملته، كما هو الحال في بقية أرجاء العالم، يتوفَّر على أسباب التنوُّع الحميد الذي يؤكد لحمة المواطنة والواحدية والوحدة. والشاهد على ما أذهب إليه أن النموذجين العراقي واللبناني فشلا في تأكيد هذه المعاني التي سرت في الزمان والمكان على مدى التاريخ، ليتموْضع الجميع اليوم في حالة مفارقة قاتلة لنواميس ذلك التاريخ المتحد هويةً، والمُتنوع ثقافةً، كما أن استمرار نمط الدولة المركزية يمثّل الدرب السالك للعجز في تمثُل واستيعاب ثراء التنوع، بوصفه القيمة المطلقة في تاريخ الشعوب، تلك القيمة التي لا تكتمل إلا بالمشاركة والمواطنة المتساوية، والتخلّي الإجرائي عن المواطنة المراتبية الناجمة عن التنسيبات العرقية والطائفية والسلالية. لقد مرّت البشرية بتجارب صعبة، وعانت ويلات الدولة القروسطية النابعة من حاكميات تتأسَّى بالدين كذباً، وتباشر الظلم والعدوان حقيقةً، وقد فاضت تلك المجتمعات بأسوأ ما يمكن أن ينجم عن الاحتقانات والمظالم، وكانت القارة الأوروبية (العجوز) في المقدمة من الحالة التراجيدية التي تواصلت منذ القرون الوسطى وحتى الحربين العالميتين، وكانت تلك الحالة التراجيدية البائسة مقرونة بانتعاش العصبيات القومية الشوفينية، والاستيهامات الدينية المسطورة بأدوات الدنيا وفجورها، وكانت العنصرية وتنظيراتها فوق الإنسانية وصفاً آخر لمراتبية خسيسة لا علاقة لها بكرامة النوع الآدمي، لكن أوروبا تجاوزت كل ذلك بعد أن دفعت الثمن باهظاً. واليوم يبدو من سخريات القدر أنه وبالرغم من معارفنا الأكيدة بتلك التجارب الإنسانية المؤلمة ما زلنا مُصرين على إعادة إنتاجها في زمن لا يستحمل مثل هذه الاستعادة، إلا إذا كنّا مُستسلمين للانقراض الحر، وإبادة الذات،كما يحدث في سوريا كشاهد قاسٍ على ما أذهب إليه، كما أن الامتدادات اللبنانية العراقية - الإيرانية، وكامل الالتباسات الإقليمية والدولية الأكثر سفوراً؛ دليل قاطع مانع على محنة الاستمرار في متوالية الإبادة الذاتية المجانية. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك