الفدرالية هو المصطلح الموازي للدولة الاتحادية، والمعروف أن المُنطلق الجوهري لمفهوم الدولة الاتحادية ترافق تاريخياً مع الدولة العصرية القادرة على مُغالبة موروثات الماضي السلبية، ولعل النموذج الأوروبي العتيد خير مثال نستشهد به، فأوروبا التاريخية شهدت قروناً من التقاتل الديني، ثم قروناً أُخرى من الحروب القومية البشعة التي اختلطت باستيهامات دينية وسلالية، وصولاً إلى نهاياتها المنطقية التي أفضت إلى عقد اجتماعي جديد للأمة. ينُصُّ هذا العقد على أن الدولة الاتحادية أو الفدرالية هي الحاضن الأنسب للتواشج والتعايش، واعتبار أن الإنسان الفرد يُقاس بقدراته وملكاته ومساهماته في المجتمع. كان على أوروبا اختصار المسافة التاريخية بين مفهوم المواطنة المراتبية الخسيسة المقرون بالسلالة والطائفة والدين، إلى مواطنة تستمد هويتها من الفرد المجرد الذي يُعتبر الخلية الحيوية في المجتمع. وما كان لأوروبا أن تصل إلى تلك المثابة الرفيعة في تعاملها مع حقوق الإنسان واحترام آدميته وكرامته، وما كان لها أن تتخطّى محطات العنف المركّب مادياً وروحياً والذي ترافق مع العنصرية بمختلف أشكالها، إلا بإقرارها عقداً اجتماعياً وسياسياً وأخلاقياً جديداً للأمة . الحرب العالمية الثانية كانت بمثابة المرجل التي انصهرت فيها سيئات الماضي الاقطاعي القروسطي الذي تواصل مع الدين السياسي، وأفضى في نهاية المطاف إلى النزعة القومجية الشوفينية التي مثُلت البيئة المناسبة لنشوء وتعملق الفاشية والهتلرية، واستتباعاتهما الكئيبة على الأرض. ذات السيناريوهات جرت في غير مكان من العالم، حتى أننا اليوم إزاء بانوراما جيوسياسية عالمية مزاجها الأكبر، بل رافعة نمائها الواضحة الدول الاتحادية ذات الأشكال والأنساق المتناسبة مع خصوصية كل بلد. وللتأمل في هذه الحالة يكفي الإشارة إلى عديد الدول السويّة في مختلف قارات العالم، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: الهند والولايات المتحدة، وبريطانيا وألمانيا وسويسرا وماليزيا وروسيا. الفدرالية اليمنية القادمة لن تكون صورة طبق الأصل من فدراليات العالم السّوي، بل نسخة أُخرى منها، تتأسّى بالخصوصية والتاريخ والجغرافيا اليمنية. [email protected]