ما أكثر ما سمعنا عن بلادنا أنها موطن الحكمة ومنبع الإيمان غير أن واقع الحال يباين لسان المقال ، ولا أدري إن صح الحديث وصدق الناقل هل يخص المعنى أجدادنا الأوائل أم يقتصر على الذين أتوا الرسول (ص) مبايعين دون غيرهم ؟؟ ،، لكنني على كل حال أشك في كونه يشمل أجيال اليمنيين على امتداد الزمان ويوافقني في شكي هذا أكوام التناقضات التي يعيشها أبناء وطني في الشمال والجنوب . - ففي بلاد الحكمة والإيمان ،، يتشدقون بأن روح الإنسان أغلى من أحجار الكعبة وأن القصاص حياة لأولي الألباب ثم نراهم يحتالون على الشريعة ويثمنون رؤوس البشر برؤوس البقر ،، والواقع عندهم يقتل أبناء البقر بجرم أبناء البشر ،، ويقدم الثور البرئ للقصاص بذنب من حاز السلاح وأطلق الرصاص. - في بلاد الحكمة والإيمان ،، يتصدى أهل العلم والفتوى لمشروع قانون ينظم قضية حيازة وحمل السلاح لأنهم يرون في ذلك مؤامرة على بيضة الإسلام وتعطيلاً لفريضة الجهاد من أعداء الله الصهاينة والأمريكان ،، ثم نرى السلاح في بلادنا يستخدم لتأجيج الثارات القبلية ، وقطع الطرقات ، وإثارة الفتن الطائفية ، وإرهاب المواطنين، وتقوية الجماعات المتطرفة ، والخروج على سلطان الدولة ، والاعتداء على أبراج الكهرباء ،، ويغيب هذا السلاح حين تحصد الطائرات الأمريكية أرواح اليمنيين بذريعة القاعدة. - وفي بلاد الحكمة والإيمان ،، كل قادة المكونات السياسية ترفض تدخل العسكر والقبيلة في مؤسسات الدولة المدنية ،، ثم تندهش حين تراهم جميعا يسارعون للتحالف مع العسكر والقبيلة لتقوية تواجدهم وضرب خصومهم بل ستجد من كبار قادة هذه المكونات مشايخ قبائل أو جنرالات قديمة أمنية أو عسكرية ،، يقودنا أحزابهم بالقاعدة العسكرية (نفذ ثم ناقش). - في بلاد الحكمة والإيمان ،، تستخدم الموتورات لقطع الأعناق وجلب الأرزاق في آن واحد ،، كما تنافس حوادث المراكب الطائرة حوادث المراكب السائرة ،، وإن نجوت من حادث سيارة فلا تأمن أن يصيبك حادث طيارة ،، وصار عليك قبل قطع الشارع أن تنظر عن يمينك وعن شمالك وفوق رأسك وتحمد الله أن اليمن لا تمتلك غواصات حتى لا تغتال من تحتك . - وفي بلاد الحكمة والإيمان ،، يسلم كل أطراف الحوار الوطني بمرجعية الشريعة الإسلامية بما فيهم الأطراف اليسارية والعلمانية ، ثم تفاجأ أن إخواننا (أنصار الله) وأشياع (آل البيت) يرفضون مرجعية الشريعة في الوقت الذي يصرخون فيه (الموت لأمريكا الموت لإسرائيل) حتى ظننا الشريعة الإسلامية مستمدة من بروتوكولات حكماء صهيون. - وفي بلاد الحكمة والإيمان ، تنادي كل الأحزاب السياسية لتفعيل دور مؤسسات الدولة ، والشراكة في السلطة ، والمنافسة الحرة ، واحترام إرادة الشعوب في انتخابات نزيهة ،، ثم تجد هذه الأحزاب داخل أطرها التنظيمية تمارس سياسة الإقصاء للمعارض ، والانفراد بالقرار ، وتهميش دور المؤسسات ، والانتخاب بالتزكية تحت مبرر وحدة الصف وحماية الحزب من الاختراق. - وفي بلاد الحكمة والإيمان ، ترفع منظمات المجتمع المدني شعار الحقوق والحريات وتدعو إلى مكافحة الفساد وتنادي بالشفافية والمساءلة ،، وعند اقترابك من أغلب هذه المنظمات تجدها مرتعاً للفساد وفرصة للارتزاق وتجد تفاصيل مشاريعها تلتف حولها الريبة ويكتنفها الغموض. - وفي بلاد الحكمة والإيمان ، يجتمع أطياف الشعب في مؤتمر الحوار الوطني ليؤسسوا لدولة مدنية (لا دينية – لا قبلية – لا عسكرية – لا رأسمالية )،، ثم يتصدر جمع من المفتين ليحدثونا بأن أهل الحل والعقد في شرع الله وهدى رسوله هم (مشايخ الدين – مشايخ القبيلة - قادة الجيش – رجال المال) ويصير من رحلهم شباب الساحات أعادهم أصحاب الفتوى . - في بلاد الحكمة والإيمان، يجتمع علينا المتطرفون من السنة والشيعة أحدهما في الجنوب يسعى لإقامة دولة الخلافة والآخر في الشمال يسعى لإقامة دولة الإمامة ،، وبين دولة الخلافة ودولة الإمامة يفقد الأبرياء أرواحهم ، وينزح الآلاف من ديارهم ، ويروع الآمنون في بلادهم ، ويخسر المواطنون ممتلكاتهم ، وتضيع هيبة الدولة ، وحسبنا الله ونعم الوكيل. - في بلاد الحكمة والإيمان ،، يطلبون منا العودة لعلماء الدين في كل شؤون الحياة فهم المخرج من الضلال ،، ثم تصيبنا الحيرة ويزداد ضلالنا ونحن نرى علماء دين يصدرون بيانات بأن الوحدة تحقيق لمقاصد الشرع ويرد عليهم علماء آخرون بأن الانفصال تحقيق لمصالح الخلق ،، ويفتي علماء بأن الديمقراطية جوهر الشورى ويرد عليهم آخرون بأن الديمقراطية كفر والدولة المدنية تنافي الدولة الإسلامية ،، هل ترون أنا خرجنا من الضلال ؟!! . إذا كان ما سبق حكمة فما هي الحماقة ، وإذا كان إيماناً فما هو الضلال ،، هل صحيح أن (الإيمان يمان والحكمة يمانية) ؟؟ !!! ،، صلوا على الحبيب الأمين . رابط المقال على الفيس بوك