تتزاحم القضايا أمام مؤتمر الحوار بشكل متتالية هندسية، لكن الأولى بالمتحاورين أن لا يبحثوا عن حل لأي قضية إلا بعد مناقشتها باستفاضة وعلنية تامة. ومما يجدر بنا أن ننبه المتحاورين إليه هو أن قضية صعدة لا ينبغي أن توازي قضية الجنوب ولا ترتبط بها، والخلط بين هذه وتلك أو المساواة بينهما هو نوع من العبث الإجرائي وهو أيضاً من قبيل التمادي في خلط الأوراق غير المتجانسة بهدف التهرّب من الحلول الحقيقية، بل إن الإصرار السياسي على إقران قضية صعدة بقضية الجنوب لا يعني سوى الإصرار على مواصلة الهدر لكل الطاقات والإمكانيات العامة، ومن وجهة نظرمواطن يمني مهتم بمستقبل بلده ويدلي برأيه من خارج قاعة الحوار، أحب أن ألفت انتباه السادة المتحاورين إلى إن قضية الجنوب تتمثل في عاملين أساسيين الأول ويتمثل في نهب ومصادرة أراضي المحافظات الجنوبية باعتبارها كانت أراضي وعقارات دولة في الوقت الذي كان فيه مواطنو الجنوب محرومين من الحق في الملكية الخاصة، العامل الثاني ويتمثل في الإقصاء السياسي والإداري الذي تعرض له أبناء المحافظات الجنوبية بعد حرب 94،حيث تم إزاحتهم من مواقعهم العسكرية والإدارية والأمنية تبعاً لنتائج الحرب المعروفة. وفي بداية عام 2007،بدأ الجنوبيون يتحركون باتجاه البحث عن الحق وتشكل ما يعرف باسم الحراك الجنوبي، وهو عبارة عن حراك شعبي سلمي تشكل في كل محافظات ومديريات ماكان يعرف بجمهورية اليمن الديمقراطية قبل الوحدة. الحراك عبّر عن الرفض الشعبي الجنوبي لاستغلال مشروع الوحدة وتوظيفه في خدمة الممارسات الجهوية المقيتة التي كانت تتم باسم الوحدة اليمنية أثناء حكم الرئيس السابق. هذه هي فحوى قضية الجنوب من وجهة نظري وأكثرما يدفعنا لاحترام قضية الجنوب هو أن الحراك الجنوبي التزم الوسائل السلمية والحضارية في الدفاع عن قضيته، رافضاً كل المحاولات الهادفة إلى عسكرة النضال السلمي والتي تسببت في بروز خطاب عنصري وحدوث بعض الجرائم الإنسانية في حق أشخاص ينتمون إلى محافظات شمالية والتي ارتكبت باسم الحراك الجنوبي والحراك بريء منها باستثناء تيار البيض الذي جاهر مؤخراً بترويج الخطاب العنصري. تلكم هي قضية الجنوب وهذه هي معارفنا حيالها ..فما هي قضية صعدة يا تُرى؟! لو عدنا إلى ما بحوزتنا من معلومات شحيحة حول(قضية صعدة)لوجدنا أنفسنا أمام سلسلة حروب غامضة وشعواء كانت تندلع فجأة وتنطفىء فجأة، لا ندري أسباب نشوبها ولا مبررات إيقافها، إنها حرب أشبه بالعرض المسرحي لكن ضحاياها كانوا كثيرين. وهنا يبرز التباعد الموضوعي بين قضية صعدة وقضية الجنوب، لأننا عندما نتحدث عن الجنوب نتحدث عن نضال سلمي جماهيري له مبرراته، لكن عندما نتحدث عن قضية صعدة فإننا نتحدث عن حرب نجهل قضيتها وأهدافها. ولا توجد لدينا أية معلومات عن تلكم الحرب اللعينة في شمال اليمن إلا فيما يخص معرفتنا بطرفيها، الطرف الأول قيادة نظام الحكم السابق متمثلاً بالرئيس السابق- علي عبدالله صالح الذي أعلن الحرب فجأة في صعدة دونما إطلاع الشعب على أسباب الحرب، أما الطرف الثاني فيتمثل في جماعات الشباب المؤمن بقيادة السيد حسين الحوثي ومن بعده أخوه عبد الملك الحوثي. بمعنى أن الحرب في صعدة كانت بين اطراف ولم تكن بين القيادة والشعب مثلما كان حادثاً في الجنوب، وأبناء صعدة لم يخوضوا الحرب ضد الدولة وان كانوا ضحايا لها .. وبغض النظر عن سيناريوهات الحرب وأهدافها المخفية إلا إن الواضح منها أن الطرف الثاني(الحوثيين)كانوا مستعدين بالعتاد العسكري والعدة القتالية، وبهذا خسرالحوثيون تعاطف الداخل والخارج معهم، لأنهم حملوا السلاح في وجه الدولة وكانوا مستعدين للحرب قبل وقوعها، وهذا ما يعزز مساحة الغموض حول الحرب وأهدافها غيرالمعلنة من قبل الجانبين. أضف إلى ذلك أن الحرب لم تكن بين الدولة وأبناء صعدة كما هو الحال في الجنوب، بل كانت الحرب بين أسرة صالح المحتكرة للحكم في سلطة النظام وأسرة الحوثي المحتكرة للحق في تمثيل المذهب الزيدي، والأسرة الحوثية بكل تأكيد لا تمتلك أية صفة اجتماعية تخولها إعلان حرب باسم أبناء صعدة ولا تمتلك الصفة المذهبية التي تخولها إعلان الحرب باسم المذهب الزيدي ،خصوصاً وان الرئيس السابق “صالح” كان من أكثر رؤساء اليمن تعصباً للمذهب الزيدي، الأمر الذي يجعل إعلان الحرب ضد المذهب الزيدي من قبل نظام صالح من الأمور المستحيلة. لذلك ترجح أقوال بعض المهتمين إن الحرب في صعدة كانت بهدف ابتزاز الخارج وكانت بين تجار الأسلحة والمخدرات ولا علاقة لها بأي صراع مذهبي أو طائفي البتة. لكننا ونحن نتناول أطراف الحرب في صعدة ونحملهم مسئوليتها،لايمكننا بأي حال من الأحوال أن ننكر وجود الآلاف من الضحايا من أبناء صعدة وآلاف النازحين وان أبناء صعدة دفعوا الثمن لحربِ لا ناقة لهم فيها ولاجمل. ما أردت أن أوضحه هنا لمؤتمر الحوار هو أن هناك فرقاً كبيراً بين ما حدث في صعدة وما حدث في الجنوب، إنه فرق لا يقبل الخلط ولا المساواة. وإذا أمعنا النظر بموضوعية حيال الأمرين سنجد إننا في الجنوب نتعامل مع قضية عادلة في حين إننا في صعدة نتعامل مع حرب مشبوهة. في الجنوب القضية تخص شعباً التزم بمناهج النضال السلمية في حين أن الحرب في صعدة تخص أسرة تدّعي احتكار الوصاية على المذهب. وعليه فإن حل قضية صعدة يبدأ بمحاكمة طرفي الحرب، الرئيس السابق والسيد عبد الملك الحوثي بتهمة إثارة حرب راح ضحيتها عشرات الآلاف من المدنيين والعسكر دونما وجود أسباب موضوعية مبررة للحرب، بعد ذلك يمكننا مطالبة الدولة بتحمل نفقات إعادة إعمار صعدة وتعويض ضحاياها. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك