الفكر وما أدراك ما الفكر ؟ مسمى الفكر من المسميات الاكثر انتشارا ويرافقه اسم المفكر ، ولعلك ترى انه لا تكاد تخلو مقابلة تلفزيونية من حديث المفكر الفلاني ، فما هو الفكر ؟ هل هو تجميع لأفكار ؟ ام تنسيق لأفكار ؟ يفّرق الدكتور عبدالوهاب المسيري - رحمه الله - بين الفكر والأفكار فيقول :«الفكر هو أن يُقوم المرء بالرَّبط بين الأفكار المختلفة ثمَّ يقوم بإعادة تركيبها داخل منظومة محدَّدة تتَّسم بقدر من التجريد و الاتَّساق الداخلي ،أما الأفكار , فهي أن يَرصُد الإنسان الفكرة تلوَ الأخرى و يُسجِّلها دون أن يُحاول أن يرى الوحدة الكليَّة الكامنة وراء التعدُّد» على هذا فالفكر هو ربط وتركيب لعدة أفكار ضمن منظومة تفسيرية لظاهرة معينة … طبعا هذا لا يعني تراكم للمعلوماتية التي تمتلئ بها الكتب والمجلات دون وجود رابط بين هذه المعلومات المتناثرة ولا منظومة تقوم باستثمارها - أي المعلومات - وتوجهها في خدمة تقدمها هذه المنظومة التفسيرية للواقع المعاش ، بدون ذلك تصبح هذه المعلوماتية معادية للفكر يقول المسيري: “ إنَ المدرسة المعلوماتيّة التراكميّة مُعاديَة للفكر و الإبداع . إنها تدور في إطار الموضوعيّة المتلقيّة السّلبيّة” هذه الموضوعية المتلقية السلبية تشبه آلة التصوير التي تقوم بالتقاط صور للعالم الخارجي فقط وليس لها دخل في تحليل تلك الصور أو اخذ وطرح أي صورة تلتقطها فيقول عنها المسيري :«لأنها الموضوعية المتلقية هي التلقي المادي السلبي للمعلومات الذي يؤدي إلي تراكم المعلومات الصماء، المعلومة فوق الأخرى. ولكن المعلومة في حد ذاتها لا تقول شيئاً، بل إنها قد تخبئ كثيراً من الرؤي والتضمينات الفلسفية والمعرفية المتحيزة.» وهي بذلك لا تجعل للعقل أي دور سوى أن يكون مخزن للمعلومات التي يتلقاها هكذا دون أدنى تحليل فيصبح جامدا لا تحليل لديه ولا تفسير سوى ما قاله الآخرون. وهذه الحالة يسميها المسيري “الفوتوغرافية”، ويقول عنها:« الفوتوغرافية فيه إنكارٌ لمقدرة العقل على الإبداع و التوليد , فهو يفترض أنّ عقل الأديب و من بعده عقل الدارس يقف كالفقير أمام عتبات الواقع يلتقِط منه الفتات و ليس كالأمير يراه في كليته فيختار منه و يُفكّكه و يُركِّبه كما يشاء , ليَصِل إلى تصوُّرات أكثر تفسيريّة» والإبداع يكمن ليس في التلقي بل في التحليل لأي ظاهرة تقع ضمن الحس البشري ،لكن هذا التحليل يجب أن يكون ضمن منظومة خاصة بالمرء - وليس ملك الآخرين- لأن كل واحد منا ينظر بعينيه هو وليس بعيون الآخرين ، وعدم وجود هذا المنظار الخاص بنا يجعل منا ناقلين فكر الآخر أو مرددين فكره في ببغائية مفرطة، فالمفكر هو صاحب المنظار الخاص به وليس الناقل كما يقول المسيري:«صاحب الفكر هو إنسانُ قد طوَّر منظومة فكريّة تتَّسِم أجزاؤها بقدرٍ من الترابط و الاتَّساق الداخلي [ فهي تُعبر عن قلقه و آماله ] و يكمن وراءها نموذج معرفي واحد - رؤية واحدة للكون .» ويصل الامر إلى العقل التوليدي هو العقل الذي يعمل، عبر خرائطه الذهنية ونماذجه الإدراكية على توليد المعرفة، وعلى توليد الخارج، وعلى توليد الآخر، وعلى توليد المعلومات. هذا العقل يستخدم أحياناً نماذج إدراكية غير واعية، وينتج عبرها معرفته، ويستخدم أحياناً نماذج إدراكية واعية، وينتج من خلا لها معرفته أيضاً. هذا العقل التوليدي الذي أنتصر له الدكتور عبدالوهاب المسيري الذي ما هو إلا انتصار للمنظومة الحضارية الإسلامية , التي بها تميزت بلاد حضارة الإسلام و في ظلها أبدع مفكروها و علماؤها و قادتها على حد تعبيره , و بلغتها نطق وعاظهم و قديسوهم , و لهم في انجازاتها كلها دور مشهود و جهد غير منكور، وهذا أدى تأكيد المسيري على ضرورة اندماج المثقف بالشارع , من خلال فكرة المثقف العضوي ,الذى يفقد الكثير بل كل دوره بعدم فاعليته في مجتمعه و قدرته على التأثير و التغيير , اذن تنتفى عنه ثقافته لعدم تمام معرفته بأصل دوره الحقيقي في خدمة مجتمعه. رابط المقال على الفيس بوك