يظل التحجر وعدم الإيمان بحرية العقل وقدرته على التفكير المانع للتقارب والإبداع، وتظل القوى الظلامية أينما كانت تعبث بالحياة السياسية والدينية والاجتماعية من خلال رفضها لتفعيل العقل واصرارها على أن عموم الناس لا يستطيعون تقديم المفيد النافع، وأن أحداً غيرها لا يملك الحقيقة، ومثل هذه القوى ليست وليدة اللحظة الراهنة، بل لها جذورها في القرون الوسطى وفي العصر الجاهلي، وهي تعتقد أنها القادرة على كل شيء، وترى في تطور المجتمع خروجات فاضحاً عن رغباتها وسلطانها، ومن أجل ذلك تشن الحرب الضروس على من يفعل عقله ويحاول إيصال الحقيقة إلى الناس كافة. إن القوى المتحجرة تحاول أن تساير العقول المستنيرة بسبب ضعف انعدام الحجة لديها وقوة الحجة ووضوح بيانها لدى المستنير، ولذلك تتظاهر أمامهم بالعدول عن تحجرها، ولكنها في واقع الحياة غير ما تظهره من اللين والحوار، وهذا يعود لسببين الأول: أنها تؤمن بأن حياتها وهيمنتها على العوام لا يتم إلا بالتحجر ومنع التنوير، لأن السماح بإحداث تفعيل العقل يفقدها هيمنتها وسيطرتها على الواقع الميداني في أوساط العوام من الناس، والثاني: أن من ربتهم على ذلك الفكر المتحجر لا يمكن أن يقبلوا بغير ما غرس في عقولهم، وهذا يخلق تخوفاً جارفاً من انقلاب طلابهم عليهم والحكم على معلميهم بالكفر وما هو أشد من ذلك وأمر، وهذا يعني أن تلك القوى تعاني من مشكلة صنعتها بإصرارها المستمر على التنشئة المتطرفة، والشواهد على ذلك كثيرة، الأمر الذي جعلها تقبل باختراقها من قبل عدو الأمة بوضوح لتستقوي على عناصرها غير القابلة بتوجيهاتها، ويظل التحجر وسيلتها لتحقيق غايتها العدوانية. إن الصراع الذي يشهده الواقع اليوم قائم على قلب الحقائق وانكار الذات ونجد أطرافه في ذات اللحظة المتعددة انطلقت من مكون واحد يشرب نفس الفكر المتعفن، ولا يختلف عن نظيره في القول والممارسة الفاجرة، وكل من هذه الأطراف يستقوي على الآخر بالعدو الحقيقي للأمة، وقد أباح التحجر لهم إهدار الكرامة جهاراً نهاراً، ومن أجل ذلك فإن الواجب يحتم على عقلاء الأمة وشرفائها تجنيب المجتمع صراع هذه القوى بالتوعية وعدم السماح لأفراد المجتمع الانخراط في صفوف هذه الجماعات التي تربت على العنف والإرهاب، والعمل على نشر الوعي المعرفي وإظهار الحقائق والحفاظ على النشء من استلاب عقولهم من قبل تلك القوى الظلامية حفاظاً على وحدة أجيال المستقبل بإذن الله. رابط المقال عى الفيس بوك