اليوم هو أول يوم من رمضان الذي حلَّ علينا ضيفاً دون أن نستقبله بما يليق، فنحن مشغولون بالفراغ والظلم والبحث عن مواقع الكراهية ومخاصمة الحب والتسامح.. رمضان نعرفه ويعرفنا، نحبه ويحبنا، ولنا معه لقاءات ومواقف وعواطف وأناشيد وأسمار وفرحات منذ أن كنّا صغاراً، حيث كنا نستقبله بأنشودة جماعية: (مرحب مرحب يا رمضان، أهلاً وسهلاً يا رمضان) وهي أنغام روحية تدق في الروح، ويطرب لها القلب الجمعي للناس، وكنّا نشعر أن رمضان كريم، يكرم الناس ويحتضن الأطفال كأم رؤوم وبحب غامر.. يعرف من خلال نظرة الأمهات ومسحة الآباء وأذان المغرب وصلاة التراويح وكلمات نساء القرية ورجالها الذين كانوا يحرصون على التسامح والكف عن البذاءة «على شان خاطر رمضان كل شيء جميل في رمضان» طبل السحور وصوت المسحراتي الذي كان يمر على كل بيت ينادي (اصحى يا نائم واذكر الدائم) حتى صوت مدفع رمضان كان له نغمة جميلة وصوت مفرح تختلف عن أصوات المدافع المرعبة، وكان الأطفال ينتظرونه بشغف هنا في مدينة تعز، وتتجه عيونهم إلى قلعة القاهرة يستحثّون صاحبه ليعلن الإفطار بعبارتهم الشهيرة: (دفّع دفّع يا علي حمود، مرتك جائع قاهي شتموت) لتنطلق أصوات الفرح مع صوت المدفع الذي يبقى منقوشاً في الذاكرة كتسبيحة رمضانية وكمعلم من معلم الحياة في المدينة، فهل مات (علي حمود) ومات معه مدفع رمضان؟!. لا ينبغي أن يغيب صوت المدفع كتراث وكمعلم للمكان والزمان وذاكرة أجيال وعبق للأيام، أعيدوا مدفع رمضان يرحمكم الله لتعود معه الليالي الخوالي ونتحسّس عمرنا الذاهب وذاكرتنا البيضاء الجميلة؛ فهي أجمل ما لدينا. رمضان يستحق الحب والاحترام والإكرام؛ لأنه شهر ليس مثل الشهور؛ فهو الذي أنزل فيه القرآن وفيه ليلة مباركة كليلة القدر، وفيه صلاة التراويح التي كان لها مراسيم خاصة في القرية، وكان الأطفال يطربون للأنشودة التي كان الناس يصدحون بها بعد خروجهم من الصلاة بلحن راقٍ وشجي: (لا إله الا الله حي, حياً دائماً يا الله). يبدو لي رمضان طفلاً قادماً من بين النجوم؛ بهي مشرق ومبشر بالروح والجنة والخلود، يدعو الناس إلى التوجه نحو التسبيح والاستغفار صقلاً للروح وإعلاء من شأن الإنسان كما يدعو إلى عمل الخير والمسح على رأس اليتيم باعتبارها استثماراً مربحاً، صناعة المعروف، هو العمل الأكثر قيمة ومن ثمارها العاجلة أنها تقي مصارع السوء، ومن منّا لا يريد أن ينجو من مصارع السوء؟!.. (المعروف) فرصة ذهبية مبثوثة في حياة الناس وبينهم لدى المنكوب والمحتاج والمسكين؛ بالبسمة والصدقة والإحسان ولو بشق تمرة.. كف الأذى عن الناس مجال واسع لإنقاذ النفس وتطهيرها, فإذا لم تحسن للناس فكف الأذى عنهم، وكم من أناس لا يعملون تقديراً لإساءاتهم إلى الناس ويمضون بالتعالي والكلمة والفعل السيئ كتعبير عن حظ عاثر، ويزيد شرّهم في رمضان، ولا يعلمون أن شر الخلق من يخافه الناس لشرّه ومن يجامله الناس خوفاً من خُلقه السيئ. إن كف الأذى وعمل المعروف والإحسان وأشياء أخرى رابحة متوفرة للفرد والمجتمع في رمضان، ولا يوجد مثل المعروف والتواضع والعيش مع الناس، ومن أجلهم تجعل الإنسان إنساناً ويعيش بروح تعلو على الحقد ولزوجة التراب وكل أوساخ المستنقعات التي نصنعها بطمعنا الذي لا ينتهي وحرصنا الذي لا يموت. رمضان كريم.. وكل عام ونحن وأنتم وكل خلق الله بعافية وغفران وأمن وسلام وتسامح وحب منتشر كنور الشمس وشائع كضوء القمر والهواء الذي يتنفس منه الزرع والطير والصبح والإنسان. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك