لا أكون مبالغًا إذا قلت: إن كل من يجعل رِجْلاً في السياسة ورِجْلاً في المذهبية والطائفية هو إنسان ضعيف أو مهزوم نفسيًا, أيًا كان هذا الإنسان؛ لأن السياسي الناجح الذي يناضل من أجل دولة مدنية؛ يستمد قوته من قناعات الجماهير وطموحاتها وليس هو انتهازيًا يطرق أبواباً محظورة كالمذهبية والطائفية ويحاول إذكاءها زاعمًا أنه يمضي في طريق النصر والتغلب على مناوئيه. كيف يزعم البعض أنه صاحب فكر سياسي مدني راقٍ وهو لم يستطع أن يقبل بوجود أناس يصلون على غير مذهبه؟ لماذا تعودنا أن نكذب على بعضنا البعض ونغالط بعضنا البعض, ظانين أن الجماهير لا تقرأ توجهاتنا ولا تراقب أداءنا, هل نحسب أن كل من قال: (أنا مدني وأُحيِّد المذهب ولا أعرف التعصب) سيصدقه الناس تصديقًا كاملاً ويقولون له: (أنت كذلك حقًا)؟. إذن, مازالت الفرصة مواتية لكل نشطاء التعصب للمذهب والطائفة أن يعيدوا النظر في أدائهم ويرتبطوا بالقناعات المدنية التي يؤمن بها الجمهور ويتمثلها ولا يدعيها ادعاءً, فالناس اليوم ليسوا بحاجة إلى من يتصادمون من أجل قضية مذهبية وإنما من أجل حقوق مدنية بوصفهم مواطنين باحثين عن حياة الأمن الاستقرار والأمن المائي والصحي والغذائي. المدنية والحداثة والرقي الفكري ليست أقوالاً وتحالفات ومواقف فحسب, وإنما سلوكيات وممارسات .. والمصرّون على مناقضة الأقوال للأفعال هم في حقيقة الأمر مصرّون على عدم الدخول في إطار منظومة سياسية فاعلة, ومن يصنع ذلك يثبت للجميع أنه يريد الوصول إلى الحكم من أي طريق غير طريق السياسة, وهذا وهمٌ يقصي صاحبه عن ممارسة الوجود الديناميكي المتطور ويبقيه في مربع الإشكال والقلق والأزمة, فلا هو سيحقق شيئًا لنفسه ولا هو سيترك أبناء الوطن يحققون شيئًا لوطنهم. قد تكون هناك بعض الاستفزازات التي تجعل البعض يستنجدون بالمذهب, لكن بإمكانهم أن يديروا هذا الخلاف بتسامٍ وترفع وليس بغضب ينسفون به كل آرائهم التي تقف في صف المدنية والحقوق والتعايش.. فموقف صغير لا ينبغي أن يدفعهم إلى العودة إلى فكرة الطائفة والمذهب التي يدعون أنهم قد خلعوها وارتدوا رداء المواطنة والحقوق المتساوية. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك