في خضم هذا الواقع المضطرب؛ لن تعدم قناة الفضائية اليمنية أشخاصًا من مثلي يتشبّثون لا إراديًا بالتسمُّر أمام شاشتها وحدها لإشباع حاجة نفسية تتعلّق بالوطن والتسامح السياسي من أجله, لاسيما حين أجد هذه القناة تردّد شعارها القائل: «قناة اليمن الفضائية.. قناة كل اليمنيين» الذي تدير حواراتها بناءً عليه, وكأنها تؤكد به أن الفرقاء السياسيين والفكريين لابد لهم من صوت جامع أو مرجعية إعلامية تذكّرهم بالوطن وتكسر بينهم حواجز العزلة التي كرّسها الإعلام الفردي الخاص، فنحن اليوم في عصر الثورة الإعلامية، وكل فصيل سياسي أو مذهبي لديه قناة يغنّي بها على ليلاه. لذلك أزعم أن الفضائية اليمنية في هذه الظروف العصيبة من تاريخ الوطن لا ينبغي تقييم أدائها من ناحية الترفيه – وإن كانت مسؤولة عن توفيره للمشاهد - وإنما من ناحية شمولية الخطاب، ومدى مهنيته، ودرجة مؤازرته للفعاليات السياسية التي تريد الوصول باليمن إلى بر الأمان من خلال مؤتمر الحوار الوطني الشامل. وأزعم أن شعار «قناة كل اليمنيين» ينبئ عن وعي بهذه المسؤولية, وهو في رأيي ينجح اليوم في إثارة مشاعر وطنية تجعل المشاهد اليمني يرى الفضائية اليمنية بمثابة شجرة يستظل تحتها على الأقل من هجير الفضائيات الأهلية المتخندقة مع أجندة أيديولوجية وسياسية أو مذهبية، أجندة إن لم تحاول أن تلغي بعضها بعضًا فإنها تشتّت الرؤية وتؤسّس لتأزيم الاختلاف واستعداء الآخر, سواء بين الأحزاب السياسية أم بين المذاهب الدينية, مع تسليمي أننا اليوم في عصر الانفتاح الإعلامي؛ ومن حق أي كيان سياسي أو فكري أن يطرح رؤيته إلي الناس ويحاول جذبهم. لكن مع هذه التعدُّدية الإعلامية ينتابني شعور أننا نودّع البساطة وكثيرًا من الروابط وخطوط الرجعة شيئًا فشيئًا مع بعضنا البعض؛ لأننا سلّمنا عقولنا وعواطفنا ونوازعنا كاملةً إلى الإعلام، حيث أشعر أن هذا الإعلام له أثره اليوم في الإبقاء على الهوّة أو البون الشاسع بين المتناحرين سياسيًا وفكريًا ومذهبيًا, وكأنه يحاول إقناعنا أن هذا الواقع المريض هو الطبيعي الذي ليس بالضرورة أن نبحث فيه عن نقاط التقاء. ومع تزايد العقبات أمام نجاح مؤتمر الحوار؛ أصبحتُ أرى بعض القنوات الفضائية الأهلية في اليمن كأنها «متارس» لا تقلُّ ضررًا عن تلك المتارس الترابية, ولا تختلف عنها بشيء سوى أن المترس الترابي يقف خلفه شخص مسلّح ب«الكلاشينكوف والرشاش الآلي» بينما يقف وراء المترس الإعلامي شخص مسلّح بلسان ملغومة وأوراق عصبوية مأزومة, وكلا الرشاش واللسان سلاح فتّاك لوأد كل إمكانية لنهضة اليمن وتطوّرها وضمان الحفاظ على أمنها واستقرارها؛ لأن ما يبني الوطن في حقيقة الأمر ليس كثرة الأقوال وإنما الأفعال والجهود المخلصة, كما أن المشكلة ليست كلها في النصوص الدستورية والقانونية والمناهج التعليمية, وإنما في طبيعة التفكير لدى من يتصدّرون المشهد. نحن نوهم أنفسنا أن التراشق والمناكفة الإعلامية خير من التخاطب بلغة الرصاص, فإذا تأملنا حقيقة الوظيفة التي يقوم بها الإعلام الأهلي والحزبي؛ فسنجد أنه ليس إلا نافخ الكير الذي يسيء فهم التعددية وحرية القول بدون أدنى استعداد منه للمقاربة بين وجهات النظر وإذابة جبل الجليد بين المتناحرين. المهم أنه كلما ازداد جوّنا السياسي الخانق تلبُّدًا بالغيوم أجدني ممسكًا بأستار قناة «اليمن» الفضائية, رائيًا إياها كالأم التي توزّع الحلوى والمصروف والتأديب والضرب بين أولادها بالتساوي. أعني بذلك أنني سأقبل من هذه القناة العمل الجميل والعمل الرديء, حلوها ومرّها بارتياح؛ مادامت لا تفرّق بين أبناء الوطن في العطاء حلوه ومرّه, فهي بذلك الشعار «قناة كل اليمنيين» تخاطب يمنيتنا وهويتنا الحضارية, وعلى موائدها الحوارية يجتمع الفرقاء للمواجهة بالحقائق, ليكون الشعب هو الحكم. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك