هو العارف بالله الشيخ عبد الهادي السودي، ولد حوالي عام860 ه وفي رواية أخرى870ه وتوفي الأربعاء 6 شهر صفر932ه ودفن بمسجده ذو القبة المشهورة بمدينة تعز وهي من أكبر القباب في اليمن. ويذكر الباحث الأستاذ عبد العزيز سلطان المنصوب في كتابه « العارف بالله عبد الهادي السودي .. شعره – رسائله – مناقبه »:إن شيخنا الجليل ينتمي إلى أسرة عريقة وشهيرة تعرف ببني سود وهي من قبيلة ترجع إلى عك بن عدنان ولهذه الأسرة أعلام بارزون ذكرهم المؤرخون اليمنيون وأشادوا بهم وموطنهم الأصلي والذي ما زال يحمل أسمهم هو قرية « محل سود» بناحية الزهراء في الجزء الغربي من اليمن” وبرز منهم الشيخ العارف بالله يعقوب السودي وولده محمد المكنى بأبي حربة المتوفي 724ه ثم ولده أبو بكر ابن أبي حربة المتوفي 774ه وذكر الشيخ عبد الهادي السودي في رسالته « الرسالة في محبة أهل بيت الرسالة» عدد من العلماء والمشائخ من بني سود. أما الدكتور عبد العزيز المقالح فيرجح في دراسة له بعنوان « قراءة في ديوان شاعر الصوفية الأكبر في اليمن الشيخ عبد الهادي السودي » وهي مقدمة كتاب الباحث « المنصوب» يرجح أن الشيخ عبد الهادي السودي من مواليد صنعاء كما ذكر ذلك الشوكاني في كتابه « البدر الطالع» حيث قال: « السودي الصنعاني وأشار إلى ذلك الباحث المنصوب ويضيف الدكتور المقالح : وقد عرفنا من خلال تتبع سيرة الشيخ عبد الهادي نفسه أنه ولد في صنعاء وعاش متنقلاً بين هذه المدينة ومدينة تعز وإن طلابه كانوا يقصدونه إلى هاتين المدينتين ويورد الدكتور المقالح إشارات أخرى منها إن الشيخ عبد الهادي حاول إن تكون بعض قصائده في ديوانه « نسيمات السحر ونفحات الزهر » مكتوبة باللهجة العامية الساحلية وبعضها الأخر مكتوبة باللهجة الصنعانية. درس الشيخ عبد الهادي السودي القرآن على يد والده ثم انتقل بعد وفاة والده إلى حرض وتتلمذ هناك في علم الحديث على الفقيه يحيى العامري الذي وصفه عبد الرحمن ابن الديبع ب« الفقيه الإمام بقية المحدثين باليمن» وإليه يرجع نبوغ الشيخ عبد الهادي بعلم الحديث واشتهاره به وتدريسه وانتقل للدراسة في مكةالمكرمة في محطته الثانية من رحلاته العلمية وتلقى عدة علوم ومنها علم الحديث والتصوف، حيث ألبس خرقة التصوف القادرية في مكة وألبسها غيره لطول باعه في علم التصوف وفي المدينةالمنورة محطته الثالثة في رحلاته العلمية استزاد من علوم التصوف ومن شيوخه في المدينة عبد الكريم بن محمد النيسابوري وفي المدينةالمنورة غلب عليه طابع التدريس للآخرين . بعد المدينةالمنورة كانت مدينة صعدة محطته الرابعة وهناك حاول نشر التصوف وتبعه خلق كثير ومنها انتقل إلى صنعاء والتقى فيها بالسيد قاسم الذي درسه علم الحديث والشيخ السودي بارع فيه فيما درس علىيد الإمام السيد قاسم علم البديع والبيان وتوسع الشيخ عبد الهادي في تدريس علم الحديث في صنعاء ونشر علم التصوف فكان من تلاميذه حسن بن غانم المنعم الذي أجازه برباط أبي الرجاء بصنعاء شيخاً للطريقة القادرية كما كانت له لقاءات وصلات ومكاتبات مع الإمام محمد بن علي السراجي الوشلي الذي كان على معرفة بعلوم التصوف. وفي محطته الأخيرة اختار مدينة تعز وفيها استقر وسكن وكان الشيخ السودي قد تتلمذ على شيخه الشيخ أحمد بن علوان وتأثر به تأثراً شديداً ولكنه برغم تأثره الشديد بشيخه بن علوان فإنه مضى يرسم لنفسه على طريق الإبداع الشعري ملامحه الخاصة ومذهبه الخاص وله ديوانين شعريين «بلبل الأفراح » وهو بلغة فصحى راقية الأسلوب تخاطب الخاصة و«نسيمات السحر ونفحات الزهر» كتبت قصائده بالفصحى غير المعربة القريبة من لهجة الغالبية العظمى من اليمنيين بحسب الدكتور المقالح . ولم يكن الشيخ عبد الهادي يقول الشعر إلا في حالة الوارد مثل ابن الفارض ثم استولت عليه حالة الشهود استيلاء كاملا فصار يكتب بالفحم فوق الجدران فإذا أفاق محى ما كتبه وكان المريدون يبادرون بكتابة ما وجدوه من نظمه على الجدران فيجمعونه ويشير الدكتور المقالح إلى أن الشيخ عبد الهادي تعامل بحرية تامة مع اللهجات اليمنية بغض النظر إن كانت لهجة مناطق ساحلية كتهامة أو صنعاء أو تعز أو لحج كما كان له عدد من الرسائل والمكاتبات ومنها «الرسالة في محبة أهل بيت الرسالة» يرد فيها على مواقف علماء صنعاء « الزيدية» منه الذين لم تعجبهم مواقفه الداعية إلى مذهب أهل السنة. ويقول الدكتور المقالح:« الانطباع الأول الذي تتركه قراءة ديوان الشيخ عبد الهادي السودي وقد جمعه تلاميذه عنه يتركز حول رؤيا صوفية إيجابية تكاد توحي بأن الإنسان ليس مطالباً بالغناء وإنما هو مطالب بالعمل وبتقوية الإرادة إرادة المواجهة بما في ذلك مواجهة الشهوات والملذات» ويتحدث المقالح عن “ الصلة والوثيقة بين التصوف والثورة بوصفها – أي الثورة – بداية الاستضاءة والتوهج ثم الانتصار الكبير على النفس بما يمثله هذا الانتصار الداخلي من قدرة على التسامي والعلو بالنفس ومن قدرة على تخطي العوائق الخارجية وتأسيس عالم جديد قائم على المحبة والتطهر من دنس الحياة وضجر الارتكاس إلى طمع الأرض والابتلاء بشهواتها الحيوانية التي تصادر شفافية الروح». وبرع الشيخ عبد الهادي في علم الحديث والقراءات والنحو والبديع والبيان وعلم الفرائض وعلم التصوف وحين عرض السلطان عامر بن عبد الوهاب سلطان الدولة الطاهرية على الشيخ عبد الهادي السودي أمر توليته لقضاء تعز اعتذر الشيخ رغم زيارة السلطان له في بيته لهذا الغرض وإعادة الأمر عليه مرة ثانية وثالثة لأنه كان يراه سلطاناً ظالماً وانقطع الشيخ عبد الهادي إلى تربية المريدين، حيث تذكر المصادر إن مريدية وصل عددهم إلى 313 وأهمية هذا الرقم كونه يمثل عدد أهل بدر الذين شهدوا معركة بدر مع النبي« صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم» ومن أصحابه الفقيه المقرئ عمر الشوافي الذي انتقل إلى مكةالمكرمة وأصبح أحد أهم قراء مكة ومدرسيها في علم القراءات والفقيه محمد الدملوي الذي أجازه وأمره بالانتقال إلى مصر 928ه وظل في مصر إلى 980ه مقيم في مدرسة تسمى النظامية. ويذكر الباحث عبد العزيز سلطان المنصوب أن شيخنا السودي كان كثير الولوع بالقهوة إلى درجة يصبح الحديث عنه بدون القهوة غير مكتمل ويقول عنه تلميذه العلامة الحسين بن عبد الله العيدروس وهو أخ الشيخ أبي بكر بن عبد الله العيدروس صاحب عدن أنه كان مولعاً بشرب القهوة ليلاً ونهاراً وكانت القهوة في تلك الفترة مثار جدل كبير بين علماء المسلمين في كل من اليمنوالحجاز ومصر إلا أنها بالنسبة لشيخنا السودي كانت تمثل أحد وسائله الخفية التي يقدمها لمريدية وبها يحقق مرادهم. وذاع صيته وشهرته في اليمن كلها وتعداها إلى الحجاز ومصر والهند. رابط المقال على الفيس بوك