يفترض فينا كيمنيين أن نعتبر بما حدث في مصر، وأن نجعل منه درساً نستفيد منه تجنباًً لتطبيقه على واقعنا المعاش وإدخال شعبنا اليمني في متاهات وصراعات سياسية ومذهبية لا نهاية لها ونحن أساساً في غنى عنها؛ وبذلك نثبت للعالم أن مازالت لدينا بقايا حكمة نلجأ إليها عند الضرورة ونستخدمها كمرجع لحل قضايانا ومشاكلنا المعقدة؛ لكن مع الأسف الشديد فهناك منا من تنصّل عن وطنتيه وأصبح اهتمامهم منصباً على ما يجري خارج اليمن وكأنهم جزء منه ولا يهمهم ما يجري داخل بلدهم أو على الأقل يعطوه اهتماماً مماثلاً سواء أكانوا سياسيين أم إعلاميين. ولذلك فقد سبق لي أن أشرت في مقال قديم نشرته «الجمهورية» بأن مختلف الأحزاب والتنظيمات السياسية في اليمن نشأت على أساس غير وطني، وصار ارتباطها بالخارج أكثر من ارتباطها بالوطن، وسيطرة الخارج عليها هي التي تحكمها وتوجّهها ولا تختلف أجنداتها عن أجندته. ولو توقفنا قليلاً أمام الأحزاب والتنظيمات السياسية الرئيسة التي جعلت من أنفسها وريثاً شرعياً لحكم اليمن ووصية على الثورة والجمهورية والوحدة والدين وحتى على ثورة الشباب المباركة لوجدنا أن كل ما تقوم به من تصرفات لا تخدم الوطن اليمني وقضاياه بقدر ما تخدم الأجندات الخارجية المرتبطة بها فكراً وسياسة وسلوكاً وبدرجة أخص خدمة مصالحها الخاصة، ولن نذهب بعيداً وإنما سنسلّط الضوء على أربعة مكوّنات سياسية رئيسة، أما البقية وما أكثر عددها فهي مفرّخة من هذه المكوّنات وتابعة لها وإن تغيرت المسميات؛ فمثلاً الحزب الاشتراكي اليمني الذي نستطيع القول عنه إنه أول حزب سياسي منظم يصل إلى الحكم في اليمن ويعلن عن نفسه تحت مسمّى «الجبهة القومية» كتنظيم طليعي عقب استقلال الشطر الجنوبي؛ لا ينكر أنه جزء من منظومة أممية؛ وقد تبنّى أثناء حكمه للشطر الجنوبي من الوطن سابقا الاشتراكية العلمية ولايزال توجهه أممياً حتى الآن، ثم يأتي بعده المؤتمر الشعبي العام كرديف له في شمال الوطن سابقاً والذي جمع في إطاره أثناء تكوينه في 24 أغسطس عام 1982م مختلف المكوّنات السياسية والفكرية والمشيخية والقبلية، وأوجد لنفسه وثيقة سياسية أطلق عليها اسم «الميثاق الوطني» وقد ظل يدّعي الوسطية خلال السنوات الأولى التي أعقبت تأسيسه؛ لكن بمجرد أن تم إعلان التعددية الحزبية بعد إعادة تحقيق الوحدة اليمنية في 22مايو 1990م سرعان ما عاد كل فريق سياسي كان منضوياً في إطاره إلى عرينه وأعلن صراحة انتماءه الحقيقي إلى الجهة الخارجية التي كان مرتبطاً بها سراً، وكان يشكل بالنسبة لها فرعاً يمثلها في اليمن، وكان أقوى هذه التيارات السياسية هو التجمع اليمني للإصلاح الذي أعلن عن نفسه كتنظيم ذي توجُّه ديني بعد الوحدة ولا يُخفي ارتباطه بحركة التنظيم العالمي للإخوان المسلمين وأن ولاءه لتلك الحركة أكثر من ولائه لوطنه اليمن؛ بدليل أنه تفرغ ولايزال بعد أن سحب الشعب المصري شرعيته عن حكم الإخوان المسلمين والإطاحة بهم من الحكم للدفاع عنهم سياسياً وإعلامياً ودينياً وإخراج أنصاره إلى الشوارع للتظاهر احتجاجاً على إسقاط حكم الإخوان في مصر ورفع صور الرئيس المعزول محمد مرسي، كما أن قناة سهيل الناطقة باسم التجمع اليمني للإصلاح قطعت برامجها العادية وتفرّغت للنقل المباشر من مصر؛ متبنية الخطاب السياسي والإعلامي للإخوان المسلمين ونقل وجهة نظرهم والدفاع عنها أكثر من الدفاع عن اليمن وقضاياه الوطنية، أما المكوّن الرابع المتمثل في القوميين والبعثيين وما أكثرهم فقد أطلقوا على أنفسهم تسمية قطرية ليثبتوا من خلالها أنهم فروع للأحزاب والتنظيمات السياسية التي نشأت في الأربعينيات والخمسينيات في سوريا والعراق ومصر ولا يتحرجون من التفاخر بذلك وإصرارهم على التمسك بشعار البعث «وحدة.. اشتراكية.. حرية» وهو نفس شعار الناصريين وإن كان قد تم عكسه ليصبح «حرية ..اشتراكية.. وحدة» ومن يتابع وسائل إعلامهم المقروءة والإلكترونية سيجد أنهم يركزون فيها على القضايا القومية أكثر من تركيزهم على القضايا الوطنية؛ وهو ما يؤكد أن الأحزاب والتنظيمات السياسية الموجودة على الساحة الوطنية اليمنية تعمل لخدمة الخارج أكثر مما تعمل لخدمة وطنها إذا ما استثنينا تركيزها على مصالحها الخاصة وجعل لها الأولوية في برامجها وتوجهاتها السياسية. وقد أشار الأخ عبدربه منصور هادي، رئيس الجمهورية في خطابه الذي ألقاه يوم الخميس الماضي أمام طلاب كلية الشرطة إلى هكذا تصرُّفات، مؤكداً أن اليمنيين لم يستطيعوا خلال الخمسين عاماً الماضية أن يوفروا لشعبهم الكهرباء والصحة والتعليم الجيد بسبب خلافاتهم وصراعاتهم السياسية المستمرة التي انشغلوا بها على حساب بناء دولة وطنية حديثة، وأشار بالاسم إلى الإعلام ودوره السلبي، متهماً بعض المنتمين إلى مهنة الصحافة بأنهم أصبحوا مرتزقة ولا يهمهم إلا تناول الجانب السلبي بهدف تشويه سمعة اليمن وشعبها في الخارج. وحذّر من هذا الأسلوب المثير للفتن وإذكاء الخلافات حتى بين أبناء الأسرة الواحدة، داعياً الجميع إلى تحمُّل المسؤولية الوطنية والاستفادة مما يحصل في مصر وسوريا وتونس وليبيا والصومال من صراعات سياسية ودينية ومذهبية وطائفية بهدف تجنبها وعدم الوقوع في براثينها، معلّقاً أمله الكبير على مؤتمر الحوار الوطني للوصول باليمن إلى بر الأمان وفتح صفحة جديدة ترسي قاعدة التعايش السلمي والقبول بالآخر، وإغلاق صفحات الماضي السوداء إلى الأبد. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك