الحرب على سوريا معالجة خاطئة لوضع خاطئ، وأعتقد أن العلاج القائم على تدمير مقدرات الشعب السوري، وقتل المزيد من الناس وبما سينجم عن هذه الحرب من نتائج سوف نكتشف فداحته وكارثته لاحقاً، لأننا اعتدنا على فهم الحقائق وإدراك العواقب بعد فوات الأوان. اعلم جيداً أن قناعات الناس تجاه هذه الحرب متباينة، ففي الوقت الذي يراها البعض ضرورية ولها دوافع يرون أنها كافية لاستدعاء هذه الحرب الملعونة، وراحوا يرقصون لمقدمها طرباً، ولكن في المقابل ثمة من يرى غير ذلك ويدرك أنها عملية ظاهرها الرحمة وباطنها الخراب والدمار والعذاب، وأن المسألة لا تعدو مجرد فرصة أتيحت لتنفيذ ما تبقى من مسلسل التدمير، وخلق واقع جرى التخطيط له منذ عقود خلت. مؤلم ومفجع ما كان يحدث في سوريا من صراع واقتتال أتى على الكثير من مقدرات هذه الدولة وشعبها، وعلى أرواح ودماء الناس بلا وازع من عقل أو منطق، ولكن الأكثر إيلاماً أن يأتي الجلاد الدائم لهذه الأمة ليعالج الدماء والخراب بالمزيد منه. ويخطئ من يظن أن العملية القاتلة فيها دواء، وأن هذه الحرب التي ستستهدف ما تبقى من البنية التحتية لسوريا فيها مصلحة لأحد في سوريا، والحقيقة أن ما حدث ويحدث من حرب أهلية والتي نتج عنها انقسام في الشارع العربي والإسلامي على نطاق واسع وغير مسبوق، هو من جعل الآراء العربية الإسلامية تختلف بين راقص سعيد بما قد تحققه هذه الحرب، وبين رافض لها. لا يمكن أن نفصل بين الحرب الأهلية وما أسفرت عنه من نتائج سياسية وعسكرية، وبما خلفته من خسائر بشرية ومادية، وبين الحرب التي يقال إنها من أجل وضع حدٍ للحرب الأولى.. والمحزن هو كيف صرنا إلى ما صرنا إليه. هذه الحرب بشقيها الأهلي والدولي لا مبرر لها لولا الدعم القائم على أهداف لم يستطع البعض إلى اليوم إدراكها، ولولا سيناريوهات المصالح الدولية التي يبدو أنها فاقت كل قدراتنا لفهمها في هذه المنطقة. كانت الحروب العدوانية على هذه الدولة العربية أو تلك توحد مشاعرنا إلى حد كبير، وكنا إذا اختلفنا قبلها توحدت أحاسيسنا ضدها، مهما تباينت المواقف السياسية للسلطات والأنظمة الحاكمة.. لكننا اليوم على مستوى الأسرة الواحدة ثمة من يرقص طرباً لدمار المدن العربية وقتل سكانها، وثمة من يبكي في المقابل، وصرنا نتبادل الأحزان فيما بيننا ونحن جميعاً في طريقنا إلى مهرجان الحزن الشامل حين نصبح كلنا في الحزن مسلمين. صار القتل يعالج بمزيد من القتل وصار بعضنا يسعد بقتل أخيه، كما لو كان هذا الأخ هو ألد الأعداء، وصار القاتل الحقيقي حمامة للسلام، وتبدلت الأهداف في مضمونها وفي ترتيبها، وكم يبعث على الحزن القاتل حين نسمع من يقول إن الأخ والمواطن الشريك له في الوطن، هو العدو الأول ولا سواه عدو. ماذا حدث حتى عمت الفوضى مجتمعاتنا وذهبنا نحو صراعات الفناء والدمار، وذهبنا نحو الانقسام الذي يدفع بنا نحو الحروب الأهلية دون تردد أو رحمة. كل يوم يزداد الانقسام وتزداد العداوة بين أبناء الوطن الواحد والأمة الواحدة، وكل يوم تطل أسباب جديدة وسياسات جديدة تزيد من حدة الانقسام والعداوة، وتهدد ما تبقى من السلم الاجتماعي في البلد الواحد. هل يمكننا أن ندرك أن العودة إلى مربع الوفاق والتعايش تزداد صعوبة كل يوم بعد يوم بما ينذر بانقسامات جغرافية تجزئ هذه الخريطة المجزأة.. وهل ندرك أن إصلاح هذا الخراب الاجتماعي والسياسي والنفسي قد يصعب بحيث يستحيل بعد ذلك التعايش وتحقيق السلم الأهلي؟ رابط المقال على الفيس بوك