لم يكن في الحسبان أن تصل بنا الأزمة إلى ماوصلنا إليه, ولايمكننا أن نصدق أننا قد وصلنا إلى مايحدث اليوم من فرقة وانقسام وعداوة تنذر بفتنة لاتُبقي ولاتذر.. الحقيقة أننا كنا ندرك أن ثمة خلافاً على كراسي السلطة بين الأحزاب مع وجود أفراد لهم نفس الطموح من خارج دائرة الأحزاب ولامشكلة في خلاف كهذا, ولكن كشفت لنا الأيام حقائق لاتُصدق ولايمكن تخيلها وأنها تحدث في بلد إسلامي ومجتمع متجانس أو هكذا كنا نظن قبل أن تصبح الجمعة جمعتين, وقبل أن نسمع بعض الخُطب التي تلقى على المحتشدين ومايتخللها من أدعية ضد الطرف الآخر.. أدعية لم ندعُ بها على أعداء الأمة الذين احتلوا أرضها ونهبوا ثرواتها ودنسوا مقدساتها.. لايمكن لمن يسمع تلك الخُطب والخطابات والشعارات أن يصدق أنها لاتقصد أعداء الإسلام والمسلمين, وأنها موجهة على مسلمين في الشارع الثاني أدعية وخطب استحضر فيها أصحابها كل مالديهم من شرور وأحقاد وسألوا الله أن ينزلها على من يصلي في الساحة المضادة لتوجهاتهم السياسية.. لم نسمع ذلك الحماس الملتهب في الحناجر والأفواه وفي رفع اليدين في التأمين استعجالاً للإجابة إلا في خطب الأزمة الراهنة, ولم نسمع بمثل ماسمعنا من تلك الأدعية مالايُحصى لكنها لم تصل وما أظنها تصل إلى ماوصلت إليه في دعاء الساحات والخطب التي نسمعها اليوم في ظل الصراع المحموم على السلطة ولاشيء غير ذلك.. أدعية تستحضر كل حقد وكراهية وثمة كلام يسبقها وثمة كلام يتبعها لانصدق أنه من ضمن متطلبات الديمقراطية ولامجال للحديث عن مشروعيته في خلافات أبناء البلد الواحد والمجتمع الواحد.. الآن فقط يمكننا أن نفهم وندرك لماذا لم تحقق تلك الأدعية الموجهة نحو أعداء الإسلام والمسلمين من زمن بعيد شيئاً ولم يستجب الله لنا فيهلك اليهود والنصارى كما نرجوه في كل دعاء أن يخسف بهم الأرض ويجعلهم غنيمة للإسلام والمسلمين وأن يمزقهم الله شر ممزق, ونرى في مقابل ذلك أن أحوالهم تسير نحو الأفضل فيتوحدون بينما العرب صاروا أجزاءً متناثرة وكذلك الحال بالنسبة للمسلمين. اليوم ندرك سر الدعاء على اليهود المعتدين والنصارى الحاقدين وإن لم يصل مضمونه وحدّته إلى ماوصل إليه دعاؤنا على بعضنا.. اليوم فقط ندرك حكمة الله سبحانه وتعالى في تعاطيه مع ماندعو به ضد كل من نختلف معه ولو كان مسلماً قريباً لنا كنا نصلي ومازلنا نصلي معه في مسجد واحدٍ إلى اللحظة الراهنة. تُرى ماالذي سيحدث لهذه الدنيا لو استجاب الله لدعائنا الذي نلقي به على كل من خالفنا الرأي لولا حكمة الله لحل الخراب والدمار والفناء في الكون ولهلك الناس جميعاً بدعوة إمام أو خطيب متعطش للموت والهلاك وللغنائم من الأموال والجواري, ولو كان المدعو عليه مسلماً وعلى الحق المبين, وهذا الذي نسمعه في خطب الأزمة الراهنة, وسبحان ربي علاّم الغيوب.