«16» حالة اللا دولة تعني حالة اللا هوية عامة أو هوية أكبر، ولو كانت الدولة قد ولدت لأودع عبدالعزيز الشائف البرطي السجن الاحتياطي بأمر من جهاز النيابة العامة لارتكابه جريمة الشروع في القتل العمد مع سابق الإصرار؛ وذلك بإشهار وتعمير أداة القتل “المسدس” على موظف عام أثناء أداء مهامه، وملف الأمن سيكون ضمن الملفات التي سوف نتناولها لفكفكة إشكالية الدولة في المنطقة كلها. لقد تعبت مجتمعات المنطقة من العلاقات البدائية، وتغوّل الوجاهات القروية والعشائرية والقبائلية وتجار الأيديولوجيا الأساطيرية، وأخيراً من تجار السياسة لابسي القبعة المعاصرة..!!. لقد فشلت هذه المجتمعات في إنتاج تاريخ مشرق يُعتد به بين الأمم التي قطعت شوطاً في النماء والتطوّر في زمن قصير، وحجزت لنفسها مكاناً ملائماً في نادي الثقافة العلمية والإنسانية؛ بينما ظلّت المجتمعات اليمنية في مكانها وزمانها العتيقين تتغنّى نُخبها بقيمها المتخلّفة بوصفها أمام العالم وبكونها قيماً لا مثيل لها في الإيجاب، ووصف القيم النهضوية بأردأ الأوصاف، والحط من مكانتها وتأثيرها في الزحف نحو القمة التنموية والقمة الثقافية. وعملت النُخب التراثية التقليدية للحيلولة دون تجسيد فكرة «نشتي دولة» تمهيداً لاستنهاض السكان للشروع في بناء دولة ولو في حدودها الدنيا، وأسهمت في ذلك المنحى المجتمعات الكسولة الميالة إلى الأعمال البسيطة دون اجتراح مآثر الأعمال المركّبة؛ إضافة إلى أطماع الأنظمة البيروقراطية المجاورة التي لا ترحّب بقيام دولة من أي نوع في المنطقة اليمنية؛ إذ وقفت هذه الأنظمة في وجه رياح التغيير التي ظهرت في برنامج المعارضة السياسية النخبوية ضد الإمام يحيى في العقد الرابع من القرن الماضي، حيث كان الإمام يعتمد على سلطة ثيوقراطية مطلقة وقاسية على الرغم من تواضع تلك البرامج وطابعها التخلّفي، وفي نهاية النصف الأول من القرن التاسع عشر عاد الجيش العثماني مرة أخرى واحتل تهامة وتعز وإب وصولاً إلى المنطقة القبلية الجبلية، وخلال احتلاله المنطقة 1841م 1918م أنشأ مرافق عسكرية وأمنية وإدارة مدنية تخدمها وتخدم الإدارة العثمانية المركزية في اسطنبول؛ ولم يكن في متن مهامه إنشاء دولة، ولم تقم إدارة الاحتلال العثماني بأية خطوة تقدُّمية لاستقطاب قوى الحداثة الرأسمالية التجارية كمرحلة انتقالية وإعطائها هامشاً في الإدارة المتعددة الأغراض. وركّزت إدارة الاحتلال على الإيرادات القسرية المفروضة على السكان على مختلف مهنهم في ذلك الزمن لتغطية نفقات قواتها وتقديم الرشاوى لقادة القبائل الجبلية التي اتخذت من إعلان مقاومتها وسيلة سهلة للحصول على الرزق المفقود في مناطقها الجرداء وكتعويض عن غزواتها التي حدّت من كوارثها على المناطق الزراعية في جنوب وجنوب غرب صنعاء ونقيل سمارة. وفي نهاية القرن التاسع عشر شطب يحيى بن محمد بن حميد الدين على دعاة الإمامة في المنطقة القبلية الجبلية واحتكرها لنفسه مستغلاً وجود قاسم مشترك واحد أو خصم واحد لابد من مواجهته وهو الاحتلال العثماني، وفي نفس الوقت روّج القائد الجديد للإمامة الزيدية التي سالت عليها الدماء بين التيارات المتعددة بأن الأتراك العثمانيين عبارة عن “غنيمة وفيد” الأمر الذي استقطب انتباه القبائل وحفّز مقاتليهم للانضمام إلى الدعوة ومؤازرة الإمام الجديد لانتزاع ما يمكن انتزاعه من السلطة التركية، وانخرط المقاتلون القبليون في القتال ضد كتائب الجيش التركي، وغنموا منها العتاد والأموال؛ الأمر الذي أتاح ليحيى محمد بن حميد الدين الحصول على عطاء مالي شهري منتظم شجّعه على الطمع للوصول إلى السلطة التي كانت في البداية جزئية ذات طابع مذهبي.... ......«يتبع».. رابط المقال على الفيس بوك