من المؤكد أن هناك من لا يرضيه أن يستريح الناس من الحرب والصراع والأزمات, وهناك من يرضيه ذلك, لكنه وللأسف مصرٌّ على الترفع عن الواقع الذي يعيشه وغير مستعد للتضحية من أجل أن يحيا وطنه بأمن وسلام. من الطبيعي أن يكون للخير رجال وللشر رجال, لكن حري بالقوى الخيرة أن تعلي صوت الحق وتتكاتف من أجل سلامة الوطن من مكائد الأشرار, ومن الضروري أن يعي الخيرون أهمية أن يذيبوا كل التباينات ليقطعوا الطريق على أي قوة هدفها إغراق سفينة اليمن بعد أن شارفت على بلوغ الشاطئ، وبعد أن نجحت في مقاومة الأعاصير حتى وصلت إلى هذا الحاضر بأقل الخسائر. بعض قوانا السياسية تؤكد وتجزم أنها لا ولن تتخندق مع الشر, لكن غير مقبول ذلك التململ الذي يلوح بين حين وآخر من بعض القوى والمكونات السياسية التي آمنت بالحوار الوطني الشامل مخرجًا لليمنيين جميعهم, ولنضع خطًا تحت كلمة (جميعهم), فكل اليمنيين وفي كل البقاع اليمنية وبلدان الشتات يعانون من مشكلات تعيقهم عن صناعة النهوض لوطنهم .. لا أحد من المكونات السياسية أو الاجتماعية يستطيع القول: إنه لا يعاني من مشكلات أو إنه يملك مخرجًا آمنًا لليمن من طريق آخر غير طريق الحوار, فالذي يقول ذلك عليه أن يفصح لنكتشف عبقريته!!, وإلا فما قيمة هذه العراقيل والأصوات التي يسرُّها اليوم أن تُخلط الأوراق, لاسيما أولئك المنشدّون إلى ما يحدث في المنطقة من أحداث وما يكتنفها من صراعات إقليمية وكأننا ذرات مغناطيس تنجذب بالقوة. يا للفظاعة .. كم نحن مستعدين للتضحية بالوطن في لحظة عناد أو استياء يغرينا بتفجير خصومات وعقد تحالفات الوطن ومستقبله أكبر منها .. فبعض قوانا السياسية تعودت أن تعمل بسياسة (كسر العظم) لقهر الآخر المخالف في الرأي, أو تلجأ إلى تنصيبه عدوًا افتراضيًا لحسابات خاطئة كثيرًا ما تضمحل وتموت. الشعب اليمني يريد من هذا الحوار الوطني أن يكون شيئًا مختلفًا في تاريخ السياسة اليمنية .. أن يكون علاجًا ناجعًا يؤسس لدولة يتعايش فيها الجميع تحت مظلة القانون والحقوق المتساوية .. فنحن لا ننسى أن صُناع السياسية في بلادنا منذ مطلع العصر الحديث يقومون بعمليات سياسية غريبة ومليئة بالأعاجيب, فلدينا سهولة الصراع, ثم سهولة التوافق على صناعة الحل, ثم سهولة نقض الحل, ثم سهولة العودة إلى الصراع مرة أخرى, وسهولة التوافق على حل جديد, ثم سهولة نقض الحل الجديد, وهكذا... يبدو الأمر كأننا نجرجر الزمن وراءنا لينتظرنا, ولا ندري أنه يمضي بنا ويذهب بأعمارنا ونحن لا نزال في مربع المواجهة والتخندق .. ومع ذلك نوهم أنفسنا أننا ننفق معظم العمر (في خدمة الوطن) .. لماذا يتحاشى كل السياسيين أن ينظروا إلى وجوههم في المرآة؟ إن الخوف من مواجهة الحقيقة لن يؤثر على الحقيقة, وستظل كما هي. يكفينا فشلاً .. فالفشل الذي صنعته سياسات النخب مع بعضها تمدد ليكون فشلاً ذريعًا في التعايش بين أبناء المجتمع كلهم .. فاليوم أحوالنا تسوء .. وصدرنا أصبح ضيقًا حرجًا كأنما نصعَّد في السماء, وكأن ثمة هاتفًا يهتف: (إذا صلحت النخبة صلح الناخبون) .. أصبح الكثير من العوام صناعًا كبارًا للمشكلات .. إننا لم نتعلم من الماضي ولم نكبر بحجم الوطن وهمومه. قد تزداد ظروفنا المعيشية سوءًا, لكننا في أية لحظة على استعداد أن ننفق الغالي والرخيص من أجل أن نتقاتل ونسفك الدماء ونرفض أي بوادر للحل تستدعي تنازلنا قليلاً, فمن السهل اليوم أن نشعل مع بعضنا صراعًا ضخمًا لنتصدر واجهات الصحف .. لنا أن نريق دماء بعضنا في مديرية الرضمة .. ولنا أن نريق دماء بعضنا في جبل صبر .. ولنا أن نريق دماء بعضنا في دماج .. ومن فشل الدولة والنخب الحاكمة إلى فشل المثقفين, إلى فشل المشيخة والقبيلة .. نعم هذا ما هو حاصل, فالعمى والغمة والعجز أمراض تضرب اليوم سلطة من يدير الجهات المسؤولة وسلطة الشيخ وسلطة المثقف وسلطة المرشدين والوعاظ .. الكل اليوم في حقيقة الأمر بلا سلطة.. لا أحد يستمع لأحد .. لا أحد قادر على الإقناع وتعديل سلوك من يخاطب .. وفي خضم هذه الفوضى يحرص الجميع على أن يكونوا في قمرة القيادة مع أن المركبة معطوبة. لكن نحن اليوم أمام هذا الحوار الوطني الشامل الذي جاء ليكون آخر فرصة للجميع, فلا تضيعوها فتضيعوا ونضيع كلنا معكم .. اثبتوا فالتاريخ لا يرحم المتخاذلين - على حد تعبير رئيس الجمهورية في أحد خطاباته مؤخرًا - وتذكروا أن «الأيادي المرتعشة لا تقوى على البناء» ..وتذكروا أيضًا أن الشعب اليمني لا يزال حتى الآن صامتًا ينتظر منكم شيئًا ما, ولن يسمح لأحد بعد اليوم أن يتلاعب بمشاعره, وهذا ما ينبغي أن يعيه المتلهفون لدورات جديدة من الصراع والتناحر. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك