لشباب اليمن عامة ولجيل الثورة خاصة أكتب, لجيل تخمر كثيراً في الغرف المغلقة ليناقش قضايا وطنه حين كانت تحاصره نكبات الحياة الكثيرة سواء على المستوى المادي أو المستوى النفسي كإحساسه بالبطالة وشعوره باللا جدوى من تضاؤل فرص الحياة الكريمة في ظل وجود صارخ للشهادات والمهارات المكدسة داخل حقيبته اليدوية... إنه جيل لم يخف أبداً من التحولات الكبرى في حياته. وهذا الشعور المرتفع بالإحباط لدى شريحة واسعة من الشباب إثر الارتباك السياسي في البلد هو شعور طبيعي, لو قدر لك في يوم من الأيام أن تقرأ كتاب “المؤمن الصادق” للأمريكي إيريك هوفر فسوف لن تنساه وستحتفظ به في أهم الأماكن لديك... سيقدم لك الكتاب عمقاً فكرياً لتجاوز كل الأدوات التي تجعلك فريسة سهلة لشعورك بالإحباط والفشل المتراكم والذي بدوره سيؤدي إلى انحدار منحنى حياتك نحو الأسفل حتى تصل إلى أحد المنخرطين في سلك الجماعات الإرهابية. لا شعوريا سوف تنمو بداخلك فكرة الانتقام من المجتمع تحت مسميات كثيرة, لن يكون الدين وإرضاء الإله هو الدافع وراء حياتك الجديدة, سيكون شعور الانتقام هو الدافع الخفي وراء أي تغيير في حياتك من شأنه أن يرفع معدل العنف والقسوة إلى جدول مهامك المستقبلية. حينما تذرع طوال النهار شوارع صنعاء وكأن الله قد كلفك بقياس مساحتها لتبحث عن عمل ثم أردت أن تريح أقدامك في إحدى البوافي الهادئة فلا تفكر أبداً في جيبك الخاوي وأقدامك المجهدة فلربما يتحول شعورك بالإخفاق والفشل والحرمان إلى شعور لا إرادي نحو الانتقام من قسوة هذا المجتمع الذي دائماً ما يطفئ أمامك بريق الأمل ويحجز لك مكاناً غير لائق في الجانب الأضيق من التاريخ وفي البقعة الأكثر خفوتاً في مسرح الحياة. لست وحدك من يشعر بهذا... إن مهمتنا في هذه المرحلة أن نتخلص جميعاً من هذا الإحباط الجارف لنبدأ العمل في تفتيت القيم الموروثة التي رسخها النظام السياسي السابق. سأشرح هذا المفهوم بالآتي: تقول الإحصائيات التي ترصد الظواهر النفسية لحركة المجتمع: إن معدل الإحباط يرتفع عقب كل ثورة تقوم في أي بلد, إضافة إلى ما تحدثه الثورات من خلخلة في حزمة المسلمات المعرفية التي آمنت بها منذ الصغر... إن الثورات هي القذيفة التاريخية القادرة على صهر كثير من مسلماتك وثوابتك المعرفية... إنها تحوير كبير لبوصلة المجتمع فكرياً وثقافياً واجتماعياً. بتعبير آخر: إن أي نظام سياسي يعمل لعقود في ترسيخ قيم جديدة للحياة تتوافق مع مصالحه السياسية أو يعمل على تثبيت أدوات ومعايير جديدة لتقييم الحياة ومن ثم يعمل على جعل بعض النماذج البشرية نماذجاً مرموقة في ثقافة المجتمع الذي يمكننا أن نصفه بالمجتمع المريض... لم أجد كلمة أكثر لياقة لأن أصف هذا المجتمع بالمريض... وإلا كيف يمكننا أن نفسر إقبال 28 ألف طالب من طلاب الثانوية العامة على الكليات العسكرية بينما لا يتقدم ربع هذا العدد على كليات الهندسة والطب. هل سنكون بحاجة ماسة في بناء مستقبل اليمن على حزمة أخرى من “الضباط والعسكريين” أم على حزمة كبيرة من المهندسين والأطباء؟. لم أعد أفهم بالضبط ما الذي يخدم مستقبل اليمن؟!! هل فكرة توسيع أقسام الشرطة؟ أم بناء مراكز الأبحاث ومعاهد الفنون والمختبرات. إن الشعور الذي يصاحب شاباً بالفخر والشعور بالفوقية أثناء خروجه صباحاً حاملاً على كتفه بعض الطيور والنجوم كدليل على ارتقاء رتبته العسكرية لهو النموذج الذي رسخه النظام السابق لعقود ثلاثة, إذ يوفر لهذا الضابط الشاب فرص الحياة والوساطة والجاه... بمعنى أكثر سهولة “الهنجمة” بينما يغدو نموذج المثقف كنموذج ضعيف وهزيل ومعزول وفاقد لكل ممكنات الحياة... هل تتذكرون صورة البائع بالدين والبائع نقداً المعلقة في واجهات البقالات... لقد جعل نظام العقود الثلاثة نموذج الضابط كالبائع نقداً ونموذج المثقف كنموذج البائع بالدين... بتعبير المفكر عبد الباري طاهر إنها تركة الرجل المحروق, والتي يجب علينا أن نتحرر منها وأن نضع على أنقاضها أدواتنا الجديدة ومعاييرنا الحديثة لتقييم الحياة... إنه منظور جديد لرصد حركة المجتمع قريباً من معايير المعرفة لبناء عصر جديد تتدفق فيه المعلومات كما تتدفق كريات الدم الحمراء في دواخلنا المكلومة. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك