(لم تُضرب سوريا ... لم يسقط نظامها لماذا..؟!) باغت التونسيون العالم بثورة الياسمين المتحقّقة مطلع العام 14/يناير/ 2011م والتي لم تترك أمام دوله بما فيها الحكومة الفرنسية (أقرب حلفاء نظام زين العابدين بن علي) أي خيارات غير القبول بما جادت به. وحين احتشد المصريون في ميدان التحرير الملهم ابتداء من 25 يناير من ذات العام لم يكن أمام الولاياتالمتحدة سوى احترام رغبة الشعب المصري في تغيير نظام مبارك بعد ثلاثة عقود، لأن الرهان كان على بديل سيسير على ذات المسار التصالحي الذي لن يؤثر في مصالح الولاياتالمتحدة وحليفها الأهم (اسرائيل) وهو ما فعله أولاً المجلس العسكري الذي تولّى حكم مصر بعد إزاحة مبارك ولمدة سنة ونصف، وتالياً حكومة الاخوان المسلمين خلال عام حكمها الكارثي. أما حين تهيأت كامل الظروف للتخلص من حكم معمر القذافي الغرائبي بعد أكثر من أربعة عقود، كان تكالب دول مجلس الأمن الدائمة (أمريكا/روسيا/الصين/بريطانيا/فرنسا) على الثروات الليبية قد تجسد في اقتسام الكعكة ،ولم يبق من حلفاء الأمس من ذات الدول من يسند النظام في لحظة تهاويه الأخيرة. ولما ارتأ اللاعب الأول في اليمن (المملكة العربية السعودية) نهاية صلاحية رئيس النظام علي عبدالله صالح، بعد احتراق كافة كروت لعبه في الساحة السياسية، عملت بالتعاون مع الدول الخليجية والولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي وروسياوالصين على الدفع بتسوية (عرفت بالمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية) لامتصاص غضب الشارع الذي خرج في فبراير من العام 2011 مطالباً بالتغيير لتُبقي هذه المبادرة على بنية النظام دون المساس بجوهره مع إجراء بعض الإخراجات الشكلية لمنظومة الإدارة الفوقية في حكومة التقاسم السياسي، وبموجب هذه التسوية مُنح علي صالح حصانة، مكنته من لعب أدوار توتيرية طيلة الفترة الانتقالية المنقضية في رهان على الوقت من أجل بقاء كتلته السياسية متماسكة وتحالفاته وتشبيكات المصالح التي بناها على مدى ثلاثة عقود استعداداً لخوض غمار الانتخابات القادمة (فبراير 2014) على أمل عودة هذه الكتلة إلى صدارة المشهد من جديد. وحده النظام السوري يقاوم سقوطه حتى اللحظة لأسباب عديدة، على رأسها التعارضات الدولية بشأن الأزمة التي تتلفع المشهد منذ عامين ونصف، التعارضات التي لم تُمكن القوى الدولية من التدخل عسكرياً، ومنشأ هذه التعارضات مرده الوضع الداخلي السوري والإفرازات المتناقضة التي تتحكم بطبيعة الأزمة الشائكة. فالاصطفافات شديدة الوضوح، وتعييناتها الميدانية جعلت من الصوت غير الرسمي في الغرب (من هيئات ومنظمات حقوقية وحركات سلام وبرلمانات أيضاً) يتعاطى مع الحالة السورية باعتبارها لحظة سياسية بامتياز، فحسب الخارج غير الرسمي أن السوريين قد عبّروا بشكل واضح عن انحيازاتهم لأحد طرفي التقاتل الأهلي ولم يتأطروا داخل اللحظة الجاذبة للتعاطف الإنساني صور ضحايا الأسلحة الكيميائية من أطفال الغوطة وحدها التي استجذبت التعاطف ليتبعها الصوت العالي المهدد بالضربة العسكرية الذي بدأ يخفت كما سنحاول مقاربة سببه في السياق، لكن قبل ذلك حري بنا المتابعة بالقول إن الصورة العراقية السلبية المتشكلة منذ العام 2003م جراء التدخل الغربي، انعكست تلقائياً في رؤية الخارج هذا الذي تيقن أن البديل للديمقراطية هو الموعودة في هذا البلد المنكوب كان اقتتالاً طائفياً ودولة هدر وفساد تقف على حافة الفشل، وهو الأمر الذي قد يتجسد مرة أخرى في سوريا بفعل التدخل، الذي قد يفضي إلى التفتيت كما عرضنا في الاسبوع الماضي؛ لهذا لم يزل كرت الأقليات الذي يلعب به النظام فاعلاً؛ بل ازدادت قوته بالتهجير القسري للأكراد من مناطقهم في الحسكة والرقة ودير الزور التي استولت عليها جبهة النصرة وأخواتها إلى جانب نقل معركتهم إلى منطقة معلولا في ريف دمشق والتي تمثل للمسيحيين المشرقيين مرمزاً مقدّساً. الطائفة العلوية والاسماعيليون والدروز الذين يمثّلون مجتمعين قرابة العشرين في المئة من السكان لما يزالون يرون في النظام حامياً لوجودهم في ظل غياب الرسائل التطمينية من مقاتلي المعارضة، فمعركة العلويين صارت معركة وجود؛ وعليها سيتحدّد مستقبلهم المختزل بشبكة من المصالح المتراكمة على مدى عقود، والمسيحيون السوريون لم تغب عن أذهانهم صورة إخوانهم المسيحيين العراقيين الذين تعرّضوا للتنكيل والتهجير من مناطقهم على أيدي الجماعات المتطرفة (سنية وشيعية) منذ الغزو الأمريكي للعراق واستباحة إيران لها. أما الصورة العدائية المتضخمة من قبل الجماعات الجهادية للطائفة الاسماعيلية والتي ترى فيها جماعة ضالة جعل من الأخيرة تعوّل على النظام كثيراً في حمايتها. المبادرة الروسية.. هل هي طوق النجاة الأخير..؟! باختصار شديد؛ الوضع السوري لم يصل بعد إلى لحظة الإخلال بموازين القوة التي يتحكم بها حتى الآن النظام المسنود ببنية الجيش الصلبة وبقوة وتفاني مليشيات حزب الله التي كان لدخولها بقوة في معركة القصير في ريف حمص أثر في تدعيمه، وقبل هذا وذاك المسنود بالصوت السياسي الفاعل لروسياوالصين وبقوة المال والعتاد الإيرانيين، وهي العوامل المتشابكة القادرة على فرملة مشاريع التدخُّل الخارجي حتى الآن، ذات العوامل التي دعت الولاياتالمتحدة إلى تأجيل موعد ضربتها العسكرية «التي هيأت لها الرأي العام خلال الأسبوعين المنصرمين» حتى ترى إلى أين ستفضي المبادرة الروسية بشأن إدارة المخزون الكيميائي للنظام السوري والرقابة عليه..!!. المبادرة التي رأى فيها المتابعون مخرجاً للإدارة الأمريكية؛ لأنها ربما أعفتها من مغامرة عسكرية غير مُجمعٍ عليها وترفضها بشكل مباشر قوى المجتمع في الغرب للأسباب التي عرضناها وفي ذات الوقت جنّبتها الدخول في معركة قد تشعل المنطقة برمتها تعرّض مصالح الجميع لخطر ماحق، وقد تكون طوق النجاة الأخير للنظام أيضاً. رابط المقال على الفيس بوك