عندما زارت مسؤولة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي «كاثرين أشتون» مصر بُعيد رحيل مبارك، اقتربت منها إحدى النساء قائلة: قبل سقوط مبارك كانوا يدعوننا للاحتشاد والتظاهر، والآن بعد رحيله يطالبوننا بالرحيل إلى بيوتنا. الاستغلال السيئ للمرأة عميق الجذور في التاريخ الإنساني، لا يقابله سوى غيابها المجحف أوان حصاد الثمار، وكأنما يراد لها البقاء فقط آلة لتفريغ شهوة الرجل، وفي أحسن الحالات أداة للوصول إلى سلطة لا تنفك أن تكون ذكورية خالصة.. في تجاوز فاضح لكون المرأة أصابت نجاحات مذهلة حينما أتيح لها فرصة الحكم ذات غفلة من الزمن ومن النزعة الإقصائية للرجل، المتكئة على موروث ثقافي عتيد يعيد قولبة الدين والتراث، ويعمد لتفسيرات مبتسرة انتقائية، غايتها تأبيد سلطته وامتهان المرأة، وجحود أدوارها العظيمة. وفي اليمن يبدو كما لو أن المرأة سبقت سواها في حصد ثمار نضالها، بعد التوافق السريع في مؤتمر الحوار على تخصيص نسبة (30) % ( كوتا) للمرأة في المناصب الإدارية والسياسية، بما في ذلك الهيئات التشريعية والتنفيذية في اليمن الجديد، غير أن إنفاذ هكذا تطلعات واقع، يتبدى شديد الصعوبة، في مجتمع أكثر من ربع نسائه لا يعرفن القراءة والكتابة، في حين أن 17 % فقط استطعن الحصول على الثانوية العامة، وفق أفضل المؤشرات.. وفي مجتمع لا يزال المرء فيه يأنف من ذكر اسم والدته. الباكستان تقدم تمثيلا صارخا لكون (الكوتا) كثيرا ما تصبح عاجزة أمام سطوة الثقافة التقليدية، إذ رغم الحضور الطاغي للنساء في مجالس البلديات، بما يفوق سواها في بلدان كالولاياتالمتحدة وعديد دول أوروبية، لا تزال المرأة تمارس أدوارها السياسية والإدارية بإسناد من الرجل وتحت ظله، زوجا كان أم أخا، بل فغالبا ما يمارس الرجل مهامها نيابة عنها.. لازالت السلطة حكرا على الرجل، ليس هنا ولا في الجوار القريب، إنما في أربعة أركان المعمورة... وفي العالم المتقدم، حيث تنبأ (فرانسيس فوكوياما) أن الولاياتالمتحدة وأوروبا ستسير حتما في النصف الثاني من القرن الحالي إلى تأنيث السلطة، وسينزع العالم السلطة الذكورية، ويضع حدا لهيمنة الرجل القائمة على عسكرة الحضارة، بغية الوصول إلى مجتمع يسوده السلم والأمان، وتحوطه آيات الجمال الأنثوي العابق، بافتراض كون النساء أكثر ميلا للمرونة الدبلوماسية وممارسة السلطة الناعمة، بيد أن هكذا تخيلات تتناقض جذريا مع واقع كون تلك المجتمعات، تشهد تهميشا سافرا للنساء أكثر من غيرها، لا من السلطة والثروة فحسب، بل من الحياة الآمنة الكريمة.. والشاهد: أن حوادث الاغتصاب والعنف الجسدي فيها تفوق ما في سواها... فيما أفضل تجليات (تكريم) الغرب للمرأة أسفرت عن استغلال جسدها في الإعلان والترويج للبضائع الاستهلاكية. رابط المقال على الفيس بوك