- «القتل نوعان : قتل تزهق فيه الأرواح ؛وقتل تزهق فيه الحقائق». وبالمثل فإن البلطجية نوعان : بلطجية سوقيون يزهقون الأرواح ويسفكون الدماء ؛ والنوع الثاني بلطجية نخبويون مثقفون يهيئون المجتمع لقبول جرائم النوع الأول قبل ارتكابها ؛ ثم يبررون هذه الجرائم بعد وقوعها ؛ يفسدون القيم الإنسانية المشتركة ؛ ويهبطون بمعايير المجتمع الأخلاقية في الخصومة إلى أدنى مستوى. - ذات يوم استضافت إحدى القنوات (خبيراً اقتصادي يحمل شهادة دكتوراه) ؛ كان صادماً لي - حينها - وهو يقول إن الرئيس المعزول محمد مرسي باع 40 % من أرض مصر ، وتنازل عن أهرامها لصالح دولة قطر ؛ ما أثارني هو درجة استخفافه وإهانته لعقل المشاهد العربي عموماً والمصري خصوصاً بهذا الكلام الغارق في ( التسطيح والاستهبال ) ؛ لكن الأكثر إدهاشاً أن المقولة شاعت بعد ذلك سريعاً في الشارع المصري لدرجةِ اضطرت رئيس وزراء قطر حينها الرد عليها في مؤتمر صحفي . بإمكاننا صياغة الفقرة السابقة على شكل معادلة رياضية طرفها الأول ثلاثة عناصر هي : الخبير الاقتصادي (أستاذ جامعي ) + مضمون الخبر + شيوع المقولة في الشارع المصري بنوع من التصديق. هذه العناصر الثلاثة التي تربطها هنا علاقة عضوية تمثل الطرف الأول من المعادلة ؛ أما النتيجة التي نخلص إليها والتي تمثل الطرف الثاني من المعادلة فنترك للقارئ الحصيف أن يستنتجها بنفسه ؛ كجزء من مشاركته في كتابة المقال واستنطاقه. - في كتابه التفكير المستقيم والتفكير الأعوج يناقش «روبرت ه . ثاوس». طرق فحص المقولات والأفكار ومعرفة نسبة الواقعية فيها من الخيال؛ والصدق من الكذب . وفي أربعة عشر فصلاً - من أهمها : الاحتيالات في الغش والجدل / بعض المغالطات المنطقية / التلاعب بمعاني الكلمات / حيل الإيحاء / التحيز / التبسيط المسرف في التفكير / مزالق القياس ومهاويه - أراد المؤلف أن يصل بالمتلقي إلى امتلاك مهارة (فحص نسبة الحقيقة في القول ؛ كما تُفحص نسبة السكر في البول ) ، العبارة بين القوسين للصديق العزيز عصام القيسي ، ويضرب المؤلف لذلك أمثلة واقعية عديدة من المساجلات والمناظرات بين المتخاصمين ؛ والحملات الإعلامية والتحريضية المليئة بالمغالطات بين الدول المتحاربة ؛ وكذا يستعرض مقولات من أشهر الحملات الانتخابية والدعائية ؛ وفي كل ذلك يفحص ويحلل وسائلها المشروعة وغير المشروعة في الشحن والتأثير العاطفي والتهييج ؛ ويحلل أساليبها المختلفة في تمرير الكذب والتدليس واعتمادها الخدع اللفظية والنفسية ؛ ورغم كثرة الأمثلة التي ذكرها المؤلف وتعدد مستوياتها لم تصل في واحدة منها إلى درجة من الاستخفاف والإسفاف اللذيَن مورسا على الشعب المصري من قبَل إعلام الانقلاب وأقطابه الثقافية (التنويرية) !. طبعاً هناك جموع عريضة من الشعب المصري فضلت الاستغباء ؛ بسبب القبضة القمعية غير المسبوقة؛ والاستغباء أحياناً هو وسيلة الضعيف الجبان أمام القوي البطاش ؛ فهو يفضل أن يبيع عقله على أن يفقد حياته أو أن يفرط في سلامته: (استغباء يخارجك ولا حصافة تحنبك)! وهي حيلة نفسية خفية يستخدمها الواقع تحت سلطة الخوف لأنها تعطيه شعوراً خادعاً بالكرامة والأمان . وهذا يختلف عن الخائف المعترف والمدرك لشعوره ؛ والذي عبر عنه أبو العلاء المعري ببيت فلسفي عميق : تلَوا باطلاً ؛ وجلَوا صارماً وقالوا : صدَقنا ؟ فقلنا : نعم ! - فلصياغة الدستور الجديد - كمثال فقط - تُشكل جمعية تأسيسية معينة ؛ وهي معينة من رئيس معين ؛ وهو معين من قبَل وزير الدفاع ! كل هذا والشعب المصري يسمع عبر قنواته الحكومية والخاصة أن (الوطن) هو من اختار هذه اللجنة لتصنع له دستوره الجديد .. أي وطن هذا الذي اختارها ؟ هل الوطن هو الرئيس عدلي منصور مثلا ؟ وما هي الإجراءات التي عن طريقها اختار (الوطن) هذه اللجنة؟ ومتى ؟ وما هي المعايير التي بموجبها اختار (الوطن) هؤلاء الأعضاء تحديداً واستبعد غيرهم من أبنائه أصحاب الكفاءات؟ ولماذا الشعب لا علاقة له بهذه الإجراءات ولا بهذه المعايير ولا بهذه اللجنة ولا بهذا (الوطن) ؟!. ومع كل هذه التناقضات - وغيرها المئات - ورغم كل هذا القمع الرهيب وبلا رتوش ؛ لا تزال قطاعات من الشعب المصري توهم نفسها – تحت حاجز الخوف - أن ما حدث في 3 يوليو ليس انقلابأً ؛ وأن ما تلاه من بطش وتنكيل ليس قمعاً وإنما محاربة للإرهاب ! ومن الأكيد أن هذه القطاعات الواقعة تحت ما يسمى في علم النفس “ حيلة الإنكار الدفاعية “ لن تستمر في ذلك كثيراً ؛ فغباء السلطة القمعية سيعجل في كسر المصريين الصامتين لحاجز الخوف . - تحكي كتب الأدب العربي أن شيخاً ظلومأً غشوماً وفصيحاً أراد أن يخطب فتاة لشاب من قبيلته يكن له حباً ومودة ؛ ذهب الشيخ إلى أم الفتاة ليقنعها بقبول هذا الشاب ؛ وبينما هما جالسان في فناء البيت إذ أقبل الشاب عليهما من بعيد ؛ فقال الشيخ لأم الفتاة : انظري ما أحسن والله ما أقبل ما تباطأ ولا تسارع ! وصل الشاب وسلم ؛ فقال الشيخ : انظري ما أحسن والله ما سلم ؛ ما حار ولا خار ! جلس الشاب ؛ فقال الشيخ : انظري ما أحسن والله ما جلس ؛ ما انحط ولا امتط ! أراد الشاب أن يتحرك في مجلسه فضرط . فقال الشيخ : انظري ما أحسن والله ما ضرط ؛ ما أغنها ولا أطنها ولا فرفرها ولا بربرها ! هنا استحيا الشاب وقام منصرفاً ؛ فقال الشيخ : انظري ما أحسن والله ما انصرف ؛ ما انفتل ولا انخذل ! فقالت أم الفتاة : ( أيها الشيخ : وجه إليه من يرده ؛ فوالله لو سلح لزوجناه ) !! . رابط المقال على الفيس بوك