في مؤتمر صحفي ربما يكون الأخير للسفير الأمريكي الذي انتهت فترة عمله باليمن, قال جيرالد فايرستاين أنه يرى وفقا لمخرجات مؤتمر الحوار الوطني أن اليمن تتجه إلى دولة اتحادية مكونة من عدة أقاليم وستكون هناك مركزية غير حادة حيث ستتحول السلطة إلى الأقاليم, مشددا على أن هذه النتيجة سيخرج بها الحوار. توقيت المؤتمر الصحفي يوم أمس الأول الأربعاء 18 سبتمبر أي في اليوم الأخير المفترض لمؤتمر الحوار بحسب الجدول الزمني, وبالتالي تضمن حديث فايرستاين رسائل قوية للأطراف التي تتشبث بمواقف لم تسمح بوضع الشمع الأحمر على نتائج مؤتمر الحوار في الموعد المحدد, وأعني بذلك الأطراف الحراكية التي تصر على تقرير المصير عاجلا أو عبر فيدرالية انتقالية من إقليمين يعقبها استفتاء على تقرير المصير, أو الأطراف التي تصر في المقابل على التمسك بالوحدة الاندماجية القائمة منذ قيام الجمهورية اليمنية في 22مايو 1990م. قبل تصريحات السفير فايرستاين الأخيرة كان موضوع الفيدرالية مثار جدل سياسي ونقاشات على مستوى الأوساط المختلفة, ومن وجهة نظري بشأن مسألة “مع الفيدرالية أو ضد الفيدرالية“ ليس أمرأً بسيطا, كون من يرفض الخيار الفيدرالي ويتمسك بوحدة اندماجية هو يتشبث بخيار تجاوزه سقف المطالبات الجنوبية التي تتراوح بين فك ارتباط عاجل, وبين دعوات انفصالية مُحسّنة ومُجمّلة تبدأ بالقبول المرحلي لفيدرالية من إقليمين وتنتهي بتقرير المصير. وفي نفس الوقت فإن من يغمض عينيه ويبصم بكل أصابعه على فيدرالية مطلقة, عليه أن يدرك أنها قد تكون مفسدة مطلقة, كون الفيدرالية ليست مجرد حُلم جميل كما يعتقد البعض أن المسألة لا تحتاج سوى إلى قرار في المساء لنجد أنفسنا في الصباح في يمن فيدرالي يرفل بالرخاء والأمن على شاكلة الولاياتالمتحدة أو الإمارات العربية المتحدة. الفيدرالية تحتاج إلى أرضية مُهيأة لتطبيق هذا النموذج الذي هو سلاح ذو حدين, قد يقود إلى بناء وإعمار وقد يفضي إلى خراب وتدمير. نحن نتحدث عن بلد لا تبدو فيه القبائل المسلحة وبعض الجماعات التي أصبحت أيضاً مسلحة هي صاحبة اليد الطولى والكلمة العليا بما أسقط هيبة الدولة وجعلها عاجزة عن فرض سلطاتها على كامل أنحاء الوطن في ظل نظام مركزي, ناهيك عن أن لدينا قوى وزعامات سواء سياسية أو عشائرية لديها ارتباطات خارجية لا تحاول أن تتحدث عنها باستحياء أو بنفي وإنما تتفاخر بتلك الارتباطات من زاوية الاستقواء والضغط على خصوم ومنافسين, ودون أدنى شعور أو اكتراث بمصلحة الوطن العليا. وبالتالي فإن مسألة الفيدرالية المطلقة قد تقود الى مزيد من الصراعات والاقتتال والتفتت والتمزيق وأيضا لمزيد من الارتماء وفتح أبواب مشرعة لمزيد من اللاعبين غير المحليين. وبالتالي فإنه بعيدا عن مزايدة أو ابتزاز هذا الطرف أو ذاك, فإن الواقعية تقودنا إلى الإقرار بأن الخيار الأمثل هو فيدرالية من عدة أقاليم مع وجود مركزية لا تعمل على إيجاد بيروقراطية مالية وإدارية كما في السابق, وإنما تشكل ضمانة لحماية المشروع الفيدرالي من خطر من يمكن أن يستغله للاتجاه بالبلد نحو الفوضى والشتات والخراب. مثل هذا التحول سيكون تاريخيا لكنه يحتاج الى مسؤولية وطنية من كافة الأطراف والتزام إقليمي ودولي على الأقل من قبل رعاة المبادرة بأن يكون هناك دعم اقتصادي وسياسي حقيقي, وأن يكون هناك ردع أممي لأي طرف يحاول أن يقوض مسار التسوية ومسار الانتقال إلى مرحلة البناء والنهوض وإقامة الدولة المدنية, دولة المؤسسات والنظام والقانون. رابط المقال على الفيس بوك