من الثورة الوهمية التي أغرقت البلد في حالة فوضى يصعب لملمتها، إلى المبادرة الخليجية التي تعدُّ بمثابة ولي أمر لفتاة قاصرة ومجنونة، إلى مؤتمرالحوار التي لن تؤدي إلى طريق يمكن السير عليه بأمان، وبين كل هذه الفوضى واللاوطن تعيش مخلوقات غريبة الأطوار تنزو في زوايا الغرف المغلقة وفي الأرصفة المفتوحة على السماء تمضغ ورقة القات بشراهة ولامبالاة، تستجر الخيبة والأماني والأحلام والكوابيس في آنٍ واحد وتصنع من المستحيل ممكناً، ومن الفوضى حالة تغيير تبدّل وجه التاريخ، ومن المواجع والدماء بطولات ومن الفساد قيادات وعظماء، تضيء الشموع في لياليها المتعاقبة وهي مقتنعة تماماً أن شراءها ضرورة، وأن الكهرباء عطية تتصدّق بها دولة اللا دولة واللاقانون واللا أمان. مخلوقات تُسمى الشعب يسرق الفاسدون اللقمة من أفواهها ولا تتعدّى ردة فعلها أكثر من النوم جائعة، وممارسة بعض الشذوذ كتنفيس لرغبة ملحة يأتي بها الليل والجوع والخيبات المتتالية، تتوسّد بقعة من الأرض لاتمنح الراحة وتلتحف أي شيء يمكن أن يمنحها ولو قليل من الدفء، قليل من النوم القلق من الأحلام المسروقة على حين غفلة من الفاسدين. أما الحلم فهو مفهوم مخادع- مخادع حد الشعور بالترف في ذات اللحظة التي تفترش فيها الضياع في محاولة منك التشبث بالحياة المسروقة بكل متعها وبهجتها التي لا ينالها الضعفاء ولا يقوون على اعتناقها، إنه وطن شاذ مرتهن لبضع أصابع وبضع كلمات، لسنا فيه أكثر من مخلوقات فرغت للتو من التحدّث عنها ووصفها. آووووه كم فيه بلدنا من مسرّات، تبدأ بشروق الشمس التي توقض فينا الخوف من يومٍ سنتلّقى فيه كثير من الصفعات، وكثير من الإنكسارات وكثير من الخيبات، مروراً بوجوه تمد يدها للمارة وتريق كل ماء وجهها على أقدامهم وتدوس هي عليها ليس كبراً وتعالياً ولكنه ضيق الحال، وينتهي يومنا السار بشمعة توقد فينا كل مواجع الماضي والحاضر وكل مخاوف المستقبل المرتهن في عيون صغار لا يد تمتد لانتشالهم من الضياع الذي يغرق فيه الوطن. ماعلينا من كلام الفلاسفة وهواجس المستثقفين هذه، إحنا عايشين بخير بالنسبة لموضوع الكهرباء مثلاً، مثلاً مش هي ضرورية نهايتها للقبر والظلام والوحشة ومنكر ونكير، ولو زيد مقصرين بالصلاة معاكم الأقرع الشجاع- وعلى موه شجاع مش أنا دارية، يعني يستعرض قوة على واحد يمني منتف نازل القبر وحده مربط حالة أمّه بالتنك، اصلاً ليش الأقرع الشجاع هذا ما يظهرش للحكومة؛ ويخبرها أن الشعب هذا عشان يصلي بحاجة للماء لأنه في ديننا «الوضوء شطر الإيمان» ونحن مش مختلفين في هذه نحن نختلف من فين نتوضى ومابوووش ماء، وليس منطقياً أن نظل نضرب عرض الجدران وفوق التراب مثل المجانين بحجة التيمم، المنطق مطلوب يا أخ أقرع تشتوا صلاة؟ نشتي ماء، والماء عند وزير المياه وزير المياة يشتي إمكانات لحفر آبار والاستفادة من مياه الأمطار، والإمكانات عند الحكومة الرأس الكبير، والحكومة مشغولة..!! والبلد أصلاً بحاجة إلى طاقة كهربائية، توازي طاقة الفساد المنتشر في البلاد. لا أعرف إن كان أحد يشعر بالملل من هذا البلد مثلي، وفي ذات اللحظة يشعر بالانتشاء والانتماء كلّما سمع أيوب طارش عبسي وهو يغنّي: ردّدي أيتها الدُنيا نشيدي..! قد هو الجُنان.. لكن خيرة الله أحسن. رابط المقال على الفيس بوك