يُخَيَّل إليّ (سبتمبر) في صورة راشد خمسيني مثقل بالهموم والأمراض وقد هجره المحبون وانشغل عنه الأهل, ولكنه مع ذلك يبتسم .. نعم يبتسم لأنه لايزال متفائلاً بالحياة, يبادل كل من حوله الحب والاحترام, لاسيما أولئك الذين أساؤوا إليه كثيرًا ولايزالون يتآمرون عليه على الرغم من مضي نصف قرن على مولده, وحتى أولئك الذين يصورونه اليوم على أنه لايزال مجرد قاصر لا يدرك أين مصلحته وليس جديرًا بحماية حقوقه, ولابد أن تكون له عصبة تحميه ويعيش في كنفها حتى إشعار آخر. تبًا لهم يا سبتمبر ولما يزعمون .. إن عودتك اليوم على ما فيك من الأوجاع تؤكد بها كم أنت عنيد وراسخ وصاحب قلب كبير وخبرة في الحياة ودهاء في التعامل مع الخصوم. قد يقولون: إن خمسين عاماً مضت من عمرك وأنت لا تزال تتحسس طريقك إلى الثبات والاكتمال .. لا معنى لما يقولون, لأنك حتى اليوم تقف في كثير من الأحيان منفردًا وأنت تحمل مشروع التغيير, وذلك حين ينشغل أنصارك بالتصارع على حبك, ويفجر أعداؤك في الخصومة معك ثم يتظاهرون بأنهم من خيرة محبيك, وهكذا تنوعت أمامك العداوات وتشعبت المواجهات وبقيت وحيدًا تصارع من أجل البقاء, وتكافح التدجين وإفراغ الثورة من معانيها, لكنك اليوم تطل بوجهك الخمسيني لتكون رمزًا للصمود وطول الصبر على عقوق الولد وفجور الخصم. أما ابتسامتك العريضة فإنها تأتي ثقيلة على أعدائك الذي اعتادوا أن يزرعوا في طريقك الأشواك, طمعاً في إعاقتك عن السير للإمساك بزمام المستقبل المطلوب, واعتادوا أن يذروا الرماد في حضرتك ليشوشوا عليك رؤية الطريق إلى هذا المستقبل, واعتادوا أن يملؤوا الدنيا فوضى وزعيقًا ليحجبوا عنك سماع الحقيقة التي تصدح بها أجيالك. لا يهمك يا سبتمبر أنك لاتزال حتى اليوم تدافع عن وجودك, فأنت تعلم أن حظك هو بقاؤك مكافحًا مصرًا على تحقيق ما يصبو إليه اليمنيون, وهي معركة ليست باليسيرة؛ لأنك تواجه فيها عدوًا تاريخيًا يبذل قصارى جهده من أجل شق الصف وتفريق الكلمة, واستعداء الإنسان اليمني الذي رفض الإذعان له والانقياد لأوامره. ولأنك يا سبتمبر تعلم أن عدوك يزداد اليوم تنمرًا وحنقًا فإنك لا ترى بدًا من أن تظل ثابتًا أمام مؤامرات عدوك, مؤكدًا أنك لن تعطي الدنية من دينك ومبادئك وأمن وطنك واستقراره وأحلام أبنائه, ولذلك نجدك اليوم تعود مغيظًا عدوك بابتسامتك العريضة التي تقول: إننا فتحنا لهذا الوطن ثغرة من نور, ومحال أن تنغلق وإن بدا الظلام مخيمًا في كل أرجاء المكان. والله لكأنك يا سبتمبر في هذه العودة المتواضعة تأتي لتقول لليمنيين كلهم: لم يُخلق بعد من يريد تركيع اليمنيين في وحدتهم, وإعادتهم إلى الخلف مهما كان حجم المبررات والدواعي .. لم يُخلق بعد من يريد أن يجهز على روح سبتمبر وأكتوبر بإعادة التمزيق إلى الواجهة من جديد. صحيح يا سبتمبر أن النخب تتركك وتبقى وحيدًا حاملاً على عاتقك أحلام وطن, فتتعثر أحيانًا وتسقط, لكن تذكّر أنك في هذا السقوط تتكئ اتكاءً ولا ترتمي إلى الأرض, ولذلك فسرعان ما تنهض وتعود لتطمين اليمنيين بأنك لا تزال موجودًا وقادرًا على المواجهة, وأن اليأس لن يجد طريقًا إليك.. فلله ما أصلبك وأعندك وأجرأك يا سبتمبر العظيم. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك