ما من شك أن الأزمة العصيبة التي شهدتها بلادنا في العام 2011م قد أحدثت شرخاً كبيراً في جدار الوحدة الوطنية للشعب اليمني، وكادت تداعياتها المؤسفة تجر الوطن والشعب نحو هاوية سحيقة وحرب أهلية تحرق الأخضر واليابس لولا لطف الله وعنايته الذي ألهم أطراف الأزمة القبول بالحلول التوافقية لتحقيق التغيير والانتقال السلمي للسلطة، فكانت المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة بمثابة خارطة الطريق لتحقيق طموحات اليمنيين في التغيير المنشود وبناء اليمن الجديد والدولة المدنية الحديثة، وقد نصّت المبادرة وآليتها التنفيذية المزمنة على الأسس التي يجب اتخاذها وتنفيذها لتحقيق الانتقال الآمن للسطلة والسير بخطوات متأنية ومدروسة لتحقيق التغيير المنشود. ومن أهم تلك الأسس «أن يؤدي الحل الذي سيفضي إليه الاتفاق السياسي لإنهاء الأزمة السياسية إلى الحفاظ على وحدة اليمن وأمنه واستقراره وأن تلتزم كافة الأطراف بوقف كل أشكال الانتقام والمتابعة والملاحقة من خلال ضمانات وتعهدات تعطى لهذا الغرض» كما نصت الفقرة (ج) في البند (21) الخاص بمؤتمر الحوار الوطني على «اتخاذ خطوات ترمي إلى تحقيق المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية والتدابير اللازمة لضمان عدم حدوث انتهاكات لحقوق الإنسان والقانون الإنساني مستقبلاً». نجزم أن نصوص المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة واضحة لا غموض فيها وعلى الأطراف الموقعة عليها الالتزام بتنفيذها كمنظومة متكاملة دون انتقائية، لكن الملاحظ أن هناك أطرافاً من أصحاب المشاريع الصغيرة ولهم أجندة خاصة يعملون بكل الوسائل والأساليب للالتفاف على نصوص المبادرة وآليتها التنفيذية المزمنة وعرقلة مؤتمر الحوار الوطني لتمرير مشاريعهم الصغيرة وأجندتهم الخاصة ويتضح ذلك جلياً من خلال الأعمال الاستفزازية والتصعيدية والخطاب السياسي والإعلامي غير المسؤول الذي يحرض على الانتقام ويغرس في النفوس الأحقاد والبغضاء بين أبناء الوطن، وكذا افتعال الأزمات والتي تصب جميعها في إطار مخطط إفشال مؤتمر الحوار الوطني وعرقلة تنفيذ التسوية السياسية.. فالذين افتعلوا مشكلة المواجهات المسلحة في دماج وعمران هدفهم جر الدولة إلى حرب جديدة مع الحوثيين وهدفهم أيضاً انسحاب الحوثيين من مؤتمر الحوار الوطني، والذين يطرحون فكرة دولة اتحادية من إقليمين «شمالي وجنوبي» يهدفون إلى عرقلة مؤتمر الحوار الوطني، والذين يطرحون فكرة العزل السياسي ويطالبون بإسقاط قانون الحصانة ويُسيِّرون المظاهرات ويقيمون الفعاليات المطالبة بذلك هدفهم عرقلة مؤتمر الحوار بل تقويض العملية السياسية والتوافق السياسي برمته، وهو ما يعني عودة البلاد إلى المربع الأول الذي كانت عليه البلاد في العام 2011م لا سمح الله. فهل التحريض على الانتقام وتصفية الحسابات وإثارة الفتن وزرع الأحقاد والكراهية بين أفراد المجتمع ينسجم مع مبدأ المصالحة الوطنية، وهل الدعوات لفتح صفحات الماضي وإنكاء الجراحات والمآسي التي حدثت خلال الصراعات التي شهدها الوطن على مدى الستين عاماً الماضية ينسجم مع المصلحة الوطنية وبناء الدولة المدنية الحديثة واليمن الجديد، وهل المطالبة بعدم سيادة الدستور والقانون واحترام المواثيق الدولية ورفض «الكوتا» للمرأة ينسجم مع مشروع الدولة المدنية الحديثة.. دولة النظام والقانون والحرية والعدالة والمساواة؟ من حقنا كمواطنين أن نسأل: لماذا يحدث كل هذا التأزيم والتصعيد، ولماذا ازدادت وتيرة الأعمال الإرهابية والاغتيالات والتقطعات والاعتداءات على أبراج وخطوط الكهرباء والاتصالات وأنابيب نقل النفط والغاز، ولماذا يعقد البعض المؤتمرات التي تطالب برفض مخرجات مؤتمر الحوار الوطني التي لا تتوافق مع توجهاتهم ولا تخدم أجندتهم.. ولماذا يطالبون بالعزل السياسي وإسقاط قانون الحصانة؟ لماذا يحدث كل هذا متزامناً مع موعد اختتام أعمال مؤتمر الحوار الوطني الشامل..؟! رابط المقال على الفيس بوك