تتزاحم في شوارع مدينة تعز اللافتات التي تتغنى بتعز، وتتنافس الأغاني في التغزل بجمالها وثقافتها ومدنيتها.. والحقيقة أن من قدر له العيش في مدينة تعز هذه الأيام ، لن يمتلك نفسه من السخرية والاستخفاف بما تحمله هذه الشعارات من معان بعيدة كل البعد عن واقع المدينة المزري.. وفي رأيي كان الأجدر رفع شعار (تعز تحتضر) بدلاً من محاولة إقناع المواطن بأنه لازال يعيش في المدينة المثالية.. لقد حان الوقت أن نعترف جميعاً أن تعز بالفعل تحتضر (كمدينة) وأنها خلال بضع سنوات قد تتحول إلى ما يشبه القرية الكبيرة .. المشاكل التي تعانيها مدينة تعز كثيرة وكبيرة وبعضها متجذر أو يراد له ذلك .. أبناء تعز يعانون منذ سنوات طويلة من مشكلة شحة المياه _ مع عدم قناعتي بهذا المسمى- لأن بعض الأحياء في تعز لا تشعر بوجود هذه المشكلة فالمياه لا تنقطع أبداً عنهم ، بينما أحياء أخرى لا تهتز أنابيب المياه فيها إلا مرة كل أربعة أو خمسة أشهر، كما أننا لا يمكن أن نؤمن بمشكلة شحة المياه لسبب آخر هو إمكانية الحصول على الماء عن طريق الشراء، فإذن المياه موجودة وفضل الله واسع، ولكن المشكلة ربما تكمن في أمر آخر يقصر إدراكي عن استيعابه..! أما الكهرباء فلا تسأل عنها، فلا ينبغي للعاقل أن ينطلق بطموحاته فوق مستوى الممكن.. ووجود الكهرباء بشكل متواصل أمر شبه مستحيل.. بل إننا نخشى أن نعيش فرحة وجود الكهرباء لعدة ساعات متواصلة في بعض الأيام، خوفاً من أن نصبح ضحايا صدمة نفسية عنيفة عند انقطاعها مرة أخرى .. والفضل بالتأكيد يعود لمسئولينا المخلصين الذين أوصلونا للشعور بالرضا في المكره والمغنم ، وأصبح الأمر سيان بالنسبة إلينا سواء وجدت الكهرباء أم انقطعت..! (النظافة من الإيمان) صحيح، ولكن المبالغة فيها ترف ورفاهية نخشى أن يحاسبنا ربنا عليها، ولذلك فلقد آثرنا مراكمة القمامة في الشوارع والاكتفاء بالتنظيف الموسمي .. كما أن المجاري الطافحة في الكثير من شوارع المدينة هي نعمة من نعم الله علينا لا ينكرها إلا جاحد، فالأنهار الخالدة تتدفق في شوارع مدينتنا بلا انقطاع طوال أيام السنة والحمد لله، غير أن ما يؤرق أبناء تعز هو فكرة أن يأتي اليوم الذي يفكر فيه شخص عديم الإنسانية بإصلاح مجاري المدينة، دون التفكير في العواقب الوخيمة المترتبة على هذا الفعل المتهور، وما يمكن أن يسببه للأهالي من مشاكل نفسية بسبب الانقطاع المفاجئ لهذه الروائح التي أدمنوا عليها لسنوات..! ولكن سرعان ما تتبدد هذه الفكرة من رأسي بمجرد العودة إلى واقع الحال الثابت منذ سنوات مع تعاقب السلطات المحلية، ومع وصول أشخاص من جهات مختلفة إلى مواقع القرار، وبقاء الحال على ما هو عليه .. ولذلك فلا خوف أبداً على مدينتنا الحبيبة وعلى مواطنيها ..! ومن مصائب تعز (عاصمة الحضارة اليمنية ) أنها اليوم تحمل اليوم راية ثقافة السلاح، وتسجل أعلى معدل للقتل من بين محافظات الجمهورية .. تعز .. يا أبناء تعز لا تحتاج منكم اليوم إلى الشعارات البراقة، ولا إلى الأغاني والدندنة .. تعز تحتاج إلى وقفة حقيقية وإيمان راسخ من الجميع بمسؤوليتهم تجاهها .. أبناء تعز على مر التاريخ هم السباقون في دروب البذل والتضحية، وكذا البناء والإعمار .. وهم كذلك أول من يدفعون ضريبة التغيير .. والعجيب أن محافظة تعز التي احتضنت كل مخاضات وإرهاصات الوحدة المباركة، وشكلت همزة الوصل الرائعة التي تماهى فيها الشمال والجنوب، حاضنة الثوار، وصانعة الزعماء، وملجأ المخذولين .. تكافأ بعد الوحدة بالكثير من التهميش والإفقار لتصل إلى ما وصلت إليه اليوم .. بالمناسبة قيل بأن المتحاورين في مؤتمر الحوار الوطني يناقشون تقسيم البلد إلى إقليمين أو أكثر.. فقلت في نفسي يمكن أن تعتبر محافظة تعز إقليماً مستقلاً، كما يمكن تسميتها “بإقليم السعيد” وفاءً لعائلة الحاج هائل سعيد ومجموعتها الاقتصادية على جهودهم الإنسانية والوطنية التي ساهمت ولا زالت في دعم كفاح المحافظة وأبنائها من أجل البقاء.. في ظل تقاعس الحكومات المتعاقبة عن تحمل مسؤولياتها تجاه هذه المحافظة البائسة..! رابط المقال على الفيس بوك