تُرى إلى أي مصير تود القوى الدولية المتحكمة بمصير هذا العالم أن توردنا إليه؟ وهل يا ترى إنه بمقدورها الاستمرار بإمساك مقود معظم شعوب العالم ودوله إلى ما لا نهاية؟ لقد استطاعت تلك القوى المهيمنة على مصير العالم خلال القرون المنصرمة صنع العديد من الأحداث الجسام التي غيّرت أبرز ملامح العالم والتحكم بمصير شعوبه ومستقبله فهل ما تزال الفرص مواتية لها للتمادي والسيطرة على مقدرات الشعوب؟ للإجابة على هذه الأسئلة وخلافها مما يتصل بقدرات تلك القوى وطغيانها على إرادات الشعوب فإننا اليوم يمكننا القول بملء أفواهنا وبصوت عالٍ : إنها لم ولن تستطيع الاستمرار بهذا التمادي الأهوج إلى ما لانهاية ولا سيما إذا وجدت من قادة شعوب العالم وحكامه من يجيد (لعب الشطرين) على الطريقة الإيرانية.. وكما هو معروف إن الإيرانيين هم أول من اخترع هذه اللعبة.. لذلك من الصعب على أي لاعب كان يتقابل مع الفريق الإيراني الانتصار عليه.. فالأحداث الجارية في منطقة الشرق الأوسط منذ سنوات والتي شملت إيران وما يتعلق بالسلاح الكيماوي والمفاعل النووي....الخ.. أثبتت تلك الأحداث والمحادثات الطويلة التي جرت بين إيران من جهة وبين الأممالمتحدة وأمريكا والاتحاد الأوروبي من جهة ثانية، أثبتت كافة تلك المحادثات والمفاوضات أن إيران خصم عاقل ناضج ، راسخ في كافة تصرفاته ومفاوضاته، وإنه على جانب كبير من الدهاء وطول البال.. وعلى ذكر السياسة الإيرانية فإنه يتبادر إلى أذهاننا وذهن القارئ أيضاً تلك المقولة التاريخية عن (شعرة معاوية) والسياسة السورية التي ما تزال تعتمد على آثار وأبعاد تلك الشعرة التي أطلقها معاوية في ذلك الزمن الغابر.. فلا أدري ما إذا كان حكام إيران قد أضافوا إلى إتقانهم للعبة الشطرين دور شعرة معاوية حتى يبلوا هذا البلاء الجيد والموفق في سياساتهم، أم أن ثمة خواص أخرى أضيفت إلى حنكتهم السياسية؟ ، مما لا شك فيه هو أن لإيران مخزون هائل من تجارب الأحداث التي مرت على بلدهم وتعاقب أنظمة الحكم عليهم وغزو الإسكندر المقدوني لوطنهم ..الخ. كل تلك الأحداث ومعاصرتهم لتعاقب شتى أجناس الأرض قد أكسبهم العديد من التجارب والعبر ومكّنهم من اكتساب الخبرات الدولية وغيرها وكان آخر ما عرفوه واعتنقوه هو الدين الإسلامي الذي لاشك في أنه قد أضاف إلى خبراتهم المزيد من الخبرات والحكم والمعاني النبيلة. وها هم أخيراً وخلال أيام يقلبون الطاولة رأساً على عقب ويدخلون في محادثات جادة مع الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي ويعلن النطاق الرسمي للبيت الأبيض عن تفاؤلهم الكبير بذوبان جليد الثلج بين إيران والغرب.. بل سرعان ما يعلن عن فتح جملة من القنصليات الأوروبية في إيران وأبرزها قنصلية بريطانيا ووعلى الفور يطلق أمين عام الأممالمتحدة مبعوثه الخاص إلى سوريا لاستئناف نشاطه والبدء فوراً بالذهاب إلى الشرق الأوسط ، وبالفعل وصل المبعوث الدولي الإبراهيمي إلى القاهرة لبدء جولته الخاصة إلى المنطقة للتهيئة والإعداد لمؤتمر (جنيف) على أن المياه الراكدة تحركت على أكثر من مستوى وبوجه خاص على مستوى قضية إيران والغرب وعلى مستوى ما يجري في داخل سوريا وليس هذا وحسب وإنما كان لكل ما حدث انعكاسات إقليمية ستتجلى آثارها في الأيام القادمة وهكذا يتبين لنا كيف تكون السياسة الناجحة وأن ما أصطلح عليه في معنى السياسة وأنها تعني فن الممكن أي تحقيق ما يمكن تحقيقه هو عين الصواب في عالم السياسة والعمل السياسي وها نحن اليوم نستمع إلى الأخبار التي أفادت أن المبعوث الدولي الأخضر الإبراهيمي قد وصل إلى بغداد .. فالعين السياسية ترى في بغداد المثخنة بالتفجيرات الإرهابية ترى أنها ، أي بغداد يمكن أن تنجح وتساعد المساعي الدولية في إنجاح مؤتمر جنيف المزمع عقده في الشهر المقبل وأن أخطر ما يصيب سياسة أي بلد من البلدان عندما يسلط عليهم حكام غير قادرين على مواكبة حركة التطور والتغيير ، فالسياسة عالم متغير على الدوام وليس ثمة سياسة في العالم تؤمن بالتسليم بأي أمر من الأمور ليكون هو الحل لكافة مشكلات أي شعب من الشعوب فالحلول تجاه مشكلات الشعوب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لا تكون ناجحة ومستقرة وموفقة إلا عندما تكون نابعة من واقع الحياة المعاشة والحياة والظروف الاقتصادية للعالم تتطور على الدوام ، لذلك يرى العديد من مراقبي عالم السياسة في العالم أن إيران خير من يلعب السياسية من الدول العربية والإسلامية وعلى شعوب وحكّام العالم الثالث الاستفادة من هذا البلد المجرّب.