هناك الكثير من الأشياء المدسوسة في تراثنا العريق التي تحتاج إلى تنقية وتمحيص بما يحفظ لتراثنا موضوعيته بحيث تتقبله عقولنا، ويجعل لهذا التراث موضع قدم في هذا الزمان … وهنا سأعرض أنموذجاً بسيطاً من هذا التراث القديم أو الحديث على السواء ، حتى نعرف أن التراث ليس مقدساً ولا مدنساً أيضاً ، وليس المطلوب أن نكون إما مقدسين له أو متفلتين عنه ، بل نكون محايدين نقبل المفيد ونرفض غير ذلك بدون انتقائية ولا تحيزية ولا «صنمية» لأسماء أو أشخاص أو هيئات .. كلنا يعرف بيت المتنبي المشهور : يترشفن مِن فمي رشفاتٍ...هنًّ فيهِ أحلى من التوحيدِ يقول ابن القيم الجوزيه في كتابه “ الجواب الكافي “: “تأمل حال أكثر عشاق الصور هل تجدها مطابقة لذلك ثم ضع حالهم في كفة وتوحيدهم في كفة وإيمانهم في كفة ثم زن وزنا يرضي الله ورسوله ويطابق العدل وربما صرح العاشق منهم بأن وصل معشوقه أحب إليه من توحيد ربه كما قال العاشق الخبيث- يقصد المتنبي: يترشفن من فمي رشفات ... هن أحلى فيه من التوحيد “ ذهب الإمام إلى التوحيد الذي هو توحيد الخالق عز وجل ، كما ذهب غيره ... لكن التوحيد هنا نوع من التمر العراقي ببغداد يطلق عليه “التوحيد” ، ولهذا نسب الأديب المعروف أبو حيان التوحيدي ، فقيل سببها إن أباه كان يبيع نوعا من التمر العراقي يطلق عليه اسم «التوحيد»… إلى جانب أن معنى التوحيد المعنوي الذي ذهب إليه ابن القيم لا يتناسب مع البيت الشعري فكيف لشاعر ببلاغة المتنبي أن يشبه حلاوة «الرشفات» الحسية بالتوحيد المعنوي كما ذهب ابن القيم ؟ إنما العكس يكون هو تقريب المعنوي إلى الحسي وليس العكس، لكن بإرجاع التوحيد لمعناه الحسي - نوعاً من التمر - تنسجم الصورة … والله أعلم رابط المقال على الفيس بوك