لم يعد العنف في اليمن تصرفا شخصيا محدودا، ولم تعد معالجته عن طريق الأمن هي الخيار الناجح والوحيد. العنف في اليمن نتاج توتر اجتماعي عالي المستوى، وأصبح ظاهرة اجتماعية بحق، لها مسبباتها الاجتماعية والاقتصادية، وكنس الظاهرة تحت السجاد على أنها سلوك شخصي من أفراد، هو بعينه تجاهل الظاهرة حتى كبرت وتفرعت. القيم الاجتماعية العميقة للمجتمع اليمني ترفض العنف، فمتى وصل إلى القتل الصريح، فهو مستنكر، وليس له علاقة بتلك القيم. كان ذهاب رب أسرة إلى قسم الشرطة فيه الكثير من العار الاجتماعي، وكثيرا ما سمعنا من يفاخر بأنه في حياته لم يدخل قسم شرطة ، حتى لم يدخل في مشاجرة، كناية عن البعد، ليس عن ارتكاب مخالفة قانونية، ولكن النأي بالنفس عن الشبهات، وأيضا تحاشي الدخول في نزاع، أيا كان شكله، فهو مثلبة اجتماعية. اليوم أصبحت الجريمة، بأنواعها المختلفة، من الرشوة إلى الامتناع عن دفع ثمن الخدمات (كالمياه والكهرباء) (طبعا عنف من نوع معين) إلى التعدي الشخصي إلى القتل.. هي عمليات ترتكب في المجتمع اليمني يوميا، وكأنها جزء من الممارسة التي اعتدناها. مثل هذه الحوادث تحدث كل يوم، ونقرأ أخبارها في الصحف، أو نسمع عنها في الدواوين. من له علاقة بالتدريس في مدارسنا يعرف كم أن هذه الظاهرة العنيفة منتشرة، فلدى مدراء ومديرات المدارس والمدرسين عشرات القصص المشوبة بالعنف الذي يمارسه الطلاب على بعضهم، أو على الإدارة، بل وحتى الطالبات. ما نحتاج إليه هو فهم المشكلة التي نحن بصددها، وهي أن العنف منتشر في شوارعنا ومدارسنا وفي بيوتنا أيضا، كثير من الجيران ينتشر بينهم العنف، إما بسبب وقوف سيارات أو مشاجرة صغار أو غير ذلك من الأحداث. في داخل الأسرة اليمنية يتفشى الكثير من العنف.. إما اللفظي أو حتى العنف العضلي، وفي المدرسة وفي الشارع، هذه السيارات المسرعة على اليمين وعلى الشمال وعلى الرصيف هي شكل من أشكال العنف الذي يمارسه البعض، نكاية ربما بالمجتمع وبالقانون معاً. كثيراً ما نسمع عن أشخاص تمت ملاحقتهم بالسيارة حتى منازلهم، ثم تم ضربهم ضربا مبرحا، بسبب الادعاء بأن مضايقة مرورية قد حدثت. العنف يمارس حتى في المكاتب وأماكن التسوق، وهو ينبئ عن احتقار للسلطة، والاستهانة بها إلى حد الهروب من العقاب بسهولة ويسر.. بل العنف بين الشرائح المختلفة في المجتمع، لأن أحدا ما يرى نفسه فوق القانون، ومن حقه حقرة الآخر. أين الخلل؟ الخلل في تجاهل هذه الظاهرة، واعتبارها قضية أمنية، إنها قضية اجتماعية بامتياز، مثلا تعليمنا للقانون واحترامه متدن، لم ندرس الأجيال أهمية احترام القانون وأهمية احترام حقوق الآخر، شبابنا يتعلمون في المنازل احتقار آبائهم وأمهاتهم للقانون بشكل عام، انشغال الشباب بممارسة مهارات «الإصابة» في الألعاب الإلكترونية، وتتحول مهارة الإصابة إلى إصابة الآخرين بأشكال من أدوات العنف، تبدأ باللفظ، وتنتهي بالسكين أو المسدس.. إن وجد!. المؤسف أن جهات الاختصاص تنظر إلى الموضوع على أنه فردي، ليس لدينا دراسات معمقة حول هذه الظاهرة الخطيرة، ولا كيف يمكن التقليل منها أو محاربتها، فلا الإحصائيات متوافرة، ولا دراسة الأسباب الاجتماعية الموضوعية متوافرة. لدينا أسباب مضحكة مبكية للعنف، وهي أن الضحية (خزني)، أي نظر لي بتأنٍ أو لوقت أطول من اللازم! وهل هذا سبب بحد ذاته كاف للقتل أو الشجار المفضي للإصابة البالغة؟! أو أن أحدهم «صف» سيارته في مكان أرغب أن أشغله! إن شرائح من مجتمعنا قد تعودت على أخذ القانون باليد، كما تعودت على الإفلات من العقاب، وهناك خلل واضح في البيت والمدرسة والجيرة ووسائل الإعلام.. كلها تفضي إلى أشكال من العنف الذي نواجه. المطلوب مؤتمر وطني ينظر إلى الظاهرة بكل مدخلاتها بعمق، وتقدم المعلومات الحقيقية لمستوى هذه الظاهرة في المجتمع، ويشارك فيه إلى جانب رجال الأمن رجال الاجتماع والاقتصاد وعلم النفس وحتى السياسيون الذين بشكل ما لهم علاقة بتفشي أشكال العنف، لأن العنف اللفظي ليس بعيدا عن ممارستهم! الأزمة أيها السادة أعمق من حادث قتل، وأكبر من ضرب مبرح، إنها أزمة اجتماعية لها أبعاد اقتصادية وسياسية، ولن تحل، حتى نعرف جذور هذا العنف المتفشي إلى درجة أن الناس يخشون الاعتداء عليهم في الشارع، وفي كثير من الأوقات من دون سبب أو بسبب تافه!. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك