رؤية الاشتراكي التي أشرت إليها في مقال الأمس تتلخَّص في كيان اتحادي من إقليمين يتوزّعان بدورهما إلى ثماني ولايات .. أربع منها في الجنوب، وأربع في الشمال. وحتى لا نتوه في تفاصيل المقترح أعتقد أن المنطق الداخلي العميق في هذه الرؤية يكمن في إعادة الاعتبار لوحدة الشطرين السابقين، بتخليصها من شوائب وإخفاقات الوحدة الماثلة، وبانزياح نحو أقاليم لا مركزية تؤكد على الوحدة والتنوُّع في آنٍ واحد . هذه المعادلة هي الكيمياء السحرية التي ستعيد للوحدة اعتبارها، وستمنح التنوُّع سياقاته الطبيعية، وستجعل المشاركة الناجزة للجميع أمراً جبْرياً لا مفر منه. إنها المعادلة الكفيلة بالقضاء على المركزية المُتجهِّمة، والفساد المُتغوِّل، والمواطنة المراتبية السلالية الخسيسة، والاستهتار بالأنظمة والقوانين التي تسنُّها الدولة، واللعب بالنار آناء الليل وأطراف النهار، وتحويل الأفضليات التنموية الماثلة إلى سبب للفقر والحاجة، بل وتدمير الإنسان بوصفه قدس أقداس الحقيقة الحياتية. ومن الطبيعي والبديهي أن يحتدم الجدل حول هذه الرؤية، وأن يتفارق المجتهدون في الاقتراب منها أو الابتعاد عنها، لكن مما لاجدال فيه، أنها رؤية ترقى إلى مستوى الاكتمال، خاصة إذا تتبّعنا استتباعاتها اللاحقة المتعلّقة بالمرحلة الانتقالية الثانية التي تسميها الرؤية بالمرحلة التأسيسية، باعتبار أن ما تمَّ حتى الآن من تطبيق فعلي لمرئيات المبادرة الخيلجية لا يرقى إلى مستوى استعادة الدولة الضامنة للمسار السياسي المأمول، وقد انطوت الرؤية التي تقدّم بها الاشتراكي على تفاصيل كافية وافية تتعلّق بالتدابير الإجرائية خلال سنوات المرحلة التأسيسية، وهي في جملتها تدابير ترسّخ معنى الدولة الاتحادية، وتحل المشاكل الأكثر صعوبة، وخاصة المسألة الجنوبية التي جعلت دعاة الوحدة اليمنية الأكثر حماساً وصدقاً يغادرون خطابهم نحو دعوة للإنفصال، حتى إن البعض لا يرى كبير أمل في صيغة لا تعيد تموضع الطرفين في بنيتي الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية. ويُجمح آخرون إلى مزيد من العودة للماضي، مُعتبرين أن جمهوريتي الشمال والجنوب السابقتين ليستا إلا مُغتصبتين للشرعيتين الإمامية الشمالية، والسلطانية الجنوبية، وبهذا المعنى ينفتح الباب أمام متواليات استعادية لأمجاد تاريخية تليدة لأطراف من المكونات الاجتماعية، كانت تلك الأحوال مجداً لهم على حساب الغالبية. يستوي في الأمر إمامة الشمال وممثلوها الحوثيون، وسلطنات الجنوب وممثلوها من دعاة اتحاد الجنوب العربي. و أيضاً جمهوريتا سبتمبر وأكتوبر السابقتان، التي خرج منهما الطرف الجنوبي (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية) وبقي الطرف الشمالي (الجمهورية العربية اليمنية)، إثر حرب المُغالبة العسكرية لعام 1994م التي وأدت جوهر الوحدة اليمنية، وأبقت على هيكلها العظمي فارغاً من محتواه. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك