في تجربة البدوي مقاربة تبحث عن التداخلات اللونية المتفاعلة مع «أعيان المُمْكِنات» كما يقول الصوفي، وذلك من خلال المسطحات اللونية المتواترة كالمصفوفات؛ لكنه إلى ذلك يعْتدُّ بفراغ البُعد الثالث، والقيم البنائية المفاهيمية، ليُقدم تجربة فريدة في استدعاء المدارس المفاهيمية ضمن بحث يؤصل للفرادة، ويعوم في بحار المعاني المفتوحة لماهية اللون والرسم والبناء والتكوين والتعارضات والهارموني. يفيض البدوي بموسيقى الوجود من خلال تجربته، فيما يساهم في تأصيلها، بانزياح صوب استخدام الدفق الّلوني المحكوم بالإضاءات الكهربائية الليزرية، كما يبحث عن بُعد رابع يتجاوز ما أشرنا إليه سابقاً، في إطار دراسته التواشجية بين الأبعاد الثلاثة ومؤثراتها البصرية والدلالية. في تجربته المتأخرة نُشاهد الخطوط ضمن أنساق مغايرة، فالخطوط هذه المرة لا تستدعي النغميّة الخطيّة، بل التناغم التداخلي إن جاز التعبير، فالضياء الذي يتموْسق بصرياً مجرور بتداخلات الأسلاك الملوّنة بضياء الليزر، والنقاط أساس في تلك الأسلاك، مما يذكرنا مرة أخرى بالتنقيطيين في المدرسة الانطباعية الفرنسية، ولكن في أفق للتفاعل مع مستجدات التكنيك. التجربة المديدة للفنان تعيد إلى الذاكرة بداياته المبكرة وتصويره الراكز في أساس وتضاعيف الفن الأكاديمي، تلك اللوحات المترعة بالمحاصرة التقنية الدالة، والمعرفة الفنية الواضحة، والتي وسَمت أعماله المبكرة وهو ما يزال طالباً في ستينيات القرن المنصرم، وعلى مدى الأيام تواصل إنتاجه النوعي الذي كان الفنان ضنيناً به على المشاهدات المجانية، فالمعروف عن البدوي تقديره الأرستقراطي للفن، وهو الأمر الذي يُفسر إقلاله الكبير في العرض، وزهده في اللهاث وراء الصخب والفرقعات، وميله لترك رسالة ناجزة قد نلتفت لها يوماً ما. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك