التدويرات الحروفية المتقاطعة مع أنماط تراثية تلقائية التي تتمرأى في تضاعيف القِباب الملونة، أو تنبري أمام تدويرات «سيمترية» عفوية لخطوط متواترة، سمة أُخرى من سمات العطاء التشكيلي للفنان السوداني الراحل حسن البدوي. تجربة الاشتغال على الحروف والزخرفة والنمنة والرقش عند البدوي لا تكتمل إلا بمعاينة الأبعاد اللونية المتجدّدة، حد الاحتياط في الخصوبة والبهاء. التجارب النقطية لديه تضمنت اشتغالاً أساسياً على المستويات البصرية الاحتمالية للسطح.. هنا نستطيع في أفق ما تشبيه تجربة الفنان بتجربة الرائين ممن تقمّصوا حالة الصمت.. الإشارة تكمن في أن الصمت أبلغ دلالة من الكلام، وأن ما لا يَنْقال أبلغ من القول.. يقول النفري وقال لي: إن لم تقف على ما لا يَنْقال تشتَّتَّ فيما ينقال، وعند البدوي السطح الأبيض يتضمن قابليات تعبيرية تشكيلية من خلال الإبرة التي تثقب السطح ثقوباً تتواتر وتُؤدي إلى المعنى والشكل معاً.. غير أن هذه الثقوب تُعطي مُعادلها البصري من خلال الضوء المجاور للعتمة التي تتخلّق في أحشاء المكان المثقوب، أو عبر التداعي الضوئي الذي يتخلّق ضمن حركة الرائي الدائرية وهو يُشاهد العمل. دليل آخر على أن المُعادل البصري أشمل كثيراً من مجرّد الألوان والإضاءات، إلى أبعاد تنبثق متواترة من وراء المشهد العابر، فاللامرئي هنا مثابة أخرى للمرئي، والمعلوم برزخ يصلنا بالمجهول. البناء والمفاهيمية الفنية تجربة أُخرى لدى الفنان، استطردت على المدخلات البصرية التي أشرنا إليها، وانزاحت بها إلى معالجات تتوخَّى القابليات التعبيرية للبُعد الثالث الواقعي «غير الوهمي»، وقد باشر الفنان عديد التجارب التوليفية لتلك العناصر التي قدَّمها في بعض المعارض، حيث نرى ذلك القدر من التفكيك المنضبط، أو التغيير المُتعمّد للأنساق المألوفة تراتباً وتناغماً، فالأعمال المعلّقة على الجدار تتناوب حواراً بصرياً مُتفارقاً في الشكل.. مُتناغماً في المضمون، والعناصر المرئية في الأشكال المُجسّدة البارزة تباشر ذات الديالوج المُلتبس، ولعلك تُفاجأ بعنصر صغير يقبع في زاوية الغرفة البعيدة مؤشراً لدالة لونية ومضمونية هامة. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك