ظهرت في الآونة الأخيرة مشكلات الهدم وتتبع وسائل الانحطاط في المجتمعات بمختلف أشكالها وألوانها، وابتعدت الأسر عن تربية أبنائها التربية الإسلامية الصحيحة، ولوحظت أسراب الرذائل تغزو البيوت والمقائل، وضاعت الأوقات بمشاهدة القنوات الفضائية الهابطة، وأصبح معظم الناس - إن لم يكونوا جلهم - يخربون بيوتهم بأيديهم. فما أحوجنا في هذا الزمن أن ندرك واقعنا الحالي حق الإدراك ونكتب عن ماضينا النهضوي الذي انتشر به الإسلام إلى جميع أصقاع الأرض، وتغيرت حياة الغاب “حياة الجاهلية” إلى “حياة الإسلام” حياة الرحمة والنهضة والتطوير والبناء، ليكون ذلك الماضي الإسلامي قدوة لنا وجزءاً من تاريخنا ووسيلة مثلى نقتفي أثرها عند بناء مستقبلنا ونهضته العظمى. إن أمتنا العربية والإسلامية اليوم أحوج - من كل فترة مضت - إلى الحديث عن مشاريع النهضة وهموم الإصلاح والبناء، وتنطلق هذه الحاجة من واقع الأمة الذي هو اليوم في أمسّ الحاجة إلى نفخ الروح في جسدها، وتقويم بنائها، وإعادة وهجها للحياة من جديد، كما أنها بحاجة إلى إحياء الماضي الإسلامي بما فيه من أصالة وتراث عربي إسلامي، ولا يتم ذلك إلا بوعي نهضوي سليم، الأمر الذي يجعلهم يسعون إلى تجاوز التخلف الحاصل من أجل بناء مستقبل أفضل. إن حياة الأمم غير مستقرة ويتغير حالها تبعاً للظروف المحيطة بها، فإذا كان هذا التغير من واقع سيء إلى واقع حسن ومن واقع ضعف إلى واقع قوة سُمي ذلك التغير نهضة، وإذا كان العكس تكون النتيجة مأساوية وينتقل التغير من النهضة إلى الانحطاط بشتى أنواعه، الأمر الذي يستوجب منا التمييز بين ما ينفع الناس ويمكث في الأرض وبين من يذهب جفاء. من أجل ذلك لابد من وعي نهضوي عربي إسلامي سليم يقوم على ركيزتين مهمتين هما: ركيزة الإيمان بالله تعالى والعودة إلى القرآن والسنة وفهمها من جهة، وركيزة العلم من جهة أخرى؛ فإذا آمنت الشعوب العربية والإسلامية بربها حق الإيمان وعرفت أنه هو الضار والنافع والقادر والمقتدر وعملت الصالحات لاشك أن الله وحده سيستخلفهم في الأرض حق الاستخلاف ويُمكّن لهم هذا الدين ويبدلهم من بعد خوفهم أمناً كما قال تعالى: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكننّ لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنّهم من بعد خوفهم أمناً...)، ثم إن العودة إلى القرآن الكريم والسنة النبوية من أساسيات وحدة المسلمين وضرورة من الضرورات، ونتيجة لهذه العودة يتم تنقية الدين الإسلامي من الشوائب التي علقت به عبر العصور بسبب الذين يسمون أنفسهم مسلمين ولكن بلا إسلام، وبعد هذه التنقية يصل المسلمون إلى مشروع النهضة المراد. الركيزة الثانية هي ركيزة العلم الذي نحن بحاجة ماسة إليه، ونتمنى أن تكون جميع المجتمعات العربية والإسلامية متعلمة؛ لأن العلم سر نهضة الشعوب، وهذا العلم يجعل كل فرد في المجتمع العربي أو الإسلامي مشاركاً في البناء، رجلاً كان أو امرأة، صغيراً كان أو كبيراً؛ بلسانه أو بسنانه، كلٌّ في مجاله وتخصصه وتوجهه، كما أن هذا العلم يجعل كل فرد في الأمة يختار له مشروعاً يوافق قدراته ويناسب ميوله ويستنفر طاقاته ويجهد في بنائه وتحقيقه خدمة للإسلام والمسلمين، وبالعلم نزداد أفضلية أكثر من غيرنا ويرفعنا الله درجات في الدنيا والآخرة مصداقاً لقوله تعالى: ( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) المجادلة: 11، أو كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم : (فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم) وفي رواية: كفضل القمر على سائر الكواكب). وإن هذه الأمة مهما بلغت في السبات إلا أن يقظتها أقرب من كل حلم وأيسر من كل أمنية إذا كان العلم سبيلها والثقافة ديدنها. ولا شك أن العلم الحقيقي يعلّم الشعوب معاني الوطنية وحب الوطن والتمسك به والانتماء إليه، ويتم القضاء على الجهل والفقر الثقافي اللذين منيت بهما الشعوب العربية والإسلامية سنين طوالاً بسبب قادتها وحكوماتها الذين اتخذوا تجهيل الشعوب وتقزيم ثقافاتهم وسائل للبقاء في سلطاتهم فترات أطول، ولم يعلموا أن الملك لله يورثه من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين. ختاماً إن الوعي النهضوي السليم هو ذلك الوعي المنبثق من تعاليم الدين الإسلامي سواء كانت في القرآن الكريم أو السنة النبوية أو إجماع سلف الأمة، والذي بواسطته سيتم القضاء على جميع مشكلات الهدم ووسائل الانحطاط في المجتمعات؛ لأننا لولا هذا الدين لكنا في ضلال مبين؛ كما قال تعالى في سورة الجمعة آية 2: (هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين)، ولا نستطيع العودة إلى تلك التعاليم إلا بالعلم والبحث عن العلماء الحقيقيين ونبذ الجهل والأمية والناس الجُهّال الذين يفتون بغير علم وإلا سنضِل وسنُضْلل؛ كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص في الحديث المتفق عليه : (إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبقِ عالماً، اتخذ الناس رؤوساً جُهّالاً، فسُئلوا، فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا) والعياذ بالله. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك