شرفة على المستقبل .. خلال الشهور الماضية كانت الأرض مع موعد فلكي لفت انتباه العالم أجمع وهو سقوط نيزك في منطقة الأورال الروسية، والحقيقة لم يكن هذا أول ولا آخر نيزك سقط في تلك المنطقة ولعل العلماء في تقاريرهم قد أشاروا إلى حادثة تونجوسكاTunguska الشهيرة في سيبيريا التي ضرب فيها نيزك عام 1908م مخلفاً أضراراً وحرائق ؛حيث تمكن بعض الناس من رؤيته من مسافة 750كم في وضح النهار وسمعوا صوت انفجاره من مسافة 80 كم، وقدّر وزن الحجر النيزكي بمئات الأطنان، وقد أحرق منطقة بلغت مساحتها 32كم2 وسوَّى غابات بالأرض.. بل صارت تلك الحادثة واحدة من ألغاز العلم إلى اليوم. ودعونا نسأل أولا ما هي النيازك؟ النيزك لفظة معربة من اللفظة الفارسية نيزه تعني الرمح القصير، وفي لغة العلم الحديث النيزك جسيم يوجد في النظام الشمسي ويتكون من حطام الصخور وقد يكون في حجم حبيبات الرمل الصغيرة أو في حجم صخرة كبيرة. إن المسار المرئي للنيزك الذي يدخل الغلاف الجوي الخاص بكوكب الأرض (أو بأي جسم آخر) يعرف باسم الشهاب، كما أن الاسم الشائع له هو “الشهاب الساقط”. أما إذا وصل النيزك إلى سطح الأرض، فإنه في هذه الحالة يعرف باسم الحجر النيزكي، ولولا احتكاك هذا الجسم بالغلاف الجوي لما رآه أحد، ويستفيد العلماء منه انهم بتحليله يعرفون المواد المكونة للكواكب … ثلاث مفردات هناك ثلاث مفردات يتم الخلط فيما بينها وهي المذنّب والشهاب والنيزك، وللتفصيل أقول المذنّب Comet جسم ثلجي يدور عادة حول الشمس في مدار بيضاوي طويل. يتكون المذنب من نواة صلبة، وغلاف جوي غائم يسمى الذؤابة، وذيل واحد أو ذيلين. ونسبة لهذه الذيول أطلق القدماء عليها النجوم ذات الشعور تشبيها بجارية أرسلت الريح شعرها وراءها، ولعل أشهر المذنبات إلينا هو مذنب هالي الذي تنبأ به الفلكي إدموند هالي Halley وكانت آخر زياراته للمجموعة الشمسية في عام 1986م وهو يزورها كل 76 سنة تقريباً. العرب أطلقوا على المذنبات اسم الكواكب ذات الذنب كما يشير بيت في قصيدة فتح عمورية للشاعر أبي تمام حيث يقول: وخوّفوا الناس من دهياء مظلمةٍ إذا بدا الكوكب الغربي ذي الذنبِ تخرصاً وأقاويلاً ملفقةً ليست بنبعٍ إذا عدت ولا غربِ لأن المنجمين كانوا إذا رأوا هذه المذنبات رأوا فيها نذير الشؤم وسوء الطالع ، وقد أثبت الدكتور احمد زكي - رحمه الله - في كتابه (مع الله في السماء) أن ذلك الكوكب الغربي ذا الذنب الذي ظهر في زمان أبي تمام هو نفسه مذنب هالي، حيث أن آخر ظهور للمذنب كان في عام 1986م - كما أسلفنا - فلو تراجعنا عدة مرات ب 76سنة تقريباً سيكون إحدى زياراته للمجموعة الشمسية في عام 837 م وهو في زمان أبي تمام، بل في أوج حياته الشعرية وعمره 34 سنة فقد عاش هذا الشاعر ما بين عامي 803م و846م… إلى جانب أنه نفس المذنب الذي ألّف عنه الفيلسوف أبو إسحاق الكندي رسالة بعنوان “رسالة خاصة فيما رصد من الأثر العظيم الذي ظهر في سنة اثنين وعشرين ومائتين للهجرة”؛ حيث أن عام 222ه /837 م هو نفس العام الذي فتحت فيه عمورية التي ألقى أبو تمام تلك القصيدة عنها …. أما الشهب أو الشهاب Meteor فشريط لامع من الضوء، يُرَى لبرهة قصيرة في السماء. وتدعى الشهب غالباً الشهب الثاقبة أو النجوم الهاوية لأنها تبدو كنجوم تسقط من السماء. تحدث الشهب عندما تدخل قطع معدنية أو حجرية تسمى النيازك Meteoroid الغلاف الجوي من الفضاء الخارجي. ويؤدي الاحتكاك بالهواء إلى ارتفاع درجة حرارة النيزك بحيث يتوهج وينتج ذيلاً من الغازات المتوهجة الحارة. وتسمى النيازك التي تصل الأرض قبل أن تحترق الرجوم، وفي لهجتنا العامية تسمى هذه النيازك (الجحوم) وهي جمع (جْحَم) بفتح الحاء وتسكين الجيم ويخبرنا لسان العرب عن مفردة (جْحَم) “الجحيمُ النارُ الشديدة التأَجُّج كما أَجَّجوا نارَ إبراهيم النبيِّ على نبينا وعليه الصلاة والسلام فهي تَجْحَمُ جُحوماً أي توقَّد توقُّداً وكذلك الجَحْمةُ والجُحْمةُ ورأَيت جُحْمةَ النارِ أي توقُّدَها وكلُّ نارٍ تُوقد على نارٍ جَحِيمٌ وهي نارٌ جاحِمةٌ” نيزك في اليمن ما هو تاريخ النيازك في اليمن؟ لا ريب أن اليمن قد سقط فيها أكثر من نيزك ،فعدم وجود السجلات بذلك لا ينفي ذلك، فقد جاء عند ابن الديبع في كتابه قرة العيون في تاريخ اليمن الميمون قوله “إنه في يوم الجمعة السادس من شهر ربيع الآخر عام 549 ه ] الموافق 18 يونيو 1154م[ وقع زلزال في اليمن من صنعاء إلى عدن هلك فيه خلق كثير من الناس وانهدمت العديد من الحصون والقرى والمساكن وسببه سقوط حجر من السماء (نيزك) في منطقة (الصلاحف) وتقع الجنوب الشرقي لمدينة جبلة فيها عين ماء غزيرة”. ويصف الخزرجي في (العسجد المسبوك) حالة سقوط النيزك بقوله: “ وانشقت السماء وسط النهار وظهر نجم وبعده دخان في المخلاف الأخضر وحصلت بعد ذلك زلزلة شديدة في اليمن من صنعاء إلى عدن هلك فيها عدد كثير من الناس وانهدم كثير من الحصون والمساكن على أهلها”.