دقت بائعة المناديل على زجاج نافذة السيارة وأنا أنتظر إشارة المرور. في العادة لا أتعاطى مع المتسولين في الجولات أو الباعة ولكن هذه المرأة كانت لبقة بشكل كبير ولديها قوة شخصية قهرتني. من وراء الزجاج سألتني: انتي اللي بالحوار؟ قلت لها نعم. فأمرتني أن أنزل الزجاج واستمع اليها. شعرت بثقل على كتفيّ وبغصة في حلقي وانا انتظر الحكم الذي ستصدره علي. هي تمثل الشعب المنهك وانا امثل الدائرة الضيقة من صانعي القرار. شعرت بالتواضع امامها بالرغم من اني في سيارتي وهي على قدميها. بالرغم من اني في طريقي من وظيفتي المتميزة وهي تبيع المناديل في الشارع. سألتني: “انتم في الحوار، باتخارجونا؟! والله ما نشتي منكم أي شيء، بس صلّحوا البلد. انا كل يوم أبيع مناديل في الشارع علشان أدرّس بناتي. كل يوم اغصب نفسي غصباً ان اخرج الشارع ابيع... زيّ اللي يخلعوا ضرسه. تعرفي كيف اللي يخلعوا ضرسه؟” قالت لي هذه الكلمات، اعطيتها ما أعطيتها وذهبت. ولكن بقيت استرجع كلماتها في عقلي وأحكيها لكل من أصادفه. هذه المرأة تمثل الشعب، تحكي عن قلق، معاناة وآمال الناس المنتظرين. استمدت بائعة المناديل سلطتها عليَّ من سنين المعاناة ومن وعثاء البيع في الشوارع وقلق البحث عن لقمة العيش. نحن الآن على اعتاب السنة الجديدة والتي من خلالها سوف نضع اللبنات الأولى لتأسيس الدولة الجديدة بمنظومة حكم جديدة مختلفة تماماً عن السابقة. نعلم اننا نعمل من أجل دولة فيدرالية لا مركزية يكون فيها توزيع عادل للسلطة والثروة. ونعلم أن هناك استحقاقات للمراحل الماضية ومظالم الشعب في كل الوطن يجب أن تنفذ أو على الأقل يتم البدء في تنفيذها قبل ان يتجه الجماهير الى صناديق الإقتراع من اجل الإنتخابات. كما نعلم ان الدستور الجديد سوف يشمل تفصيلاً للمرحلة التأسيسية والتي سوف تحقق مخرجات الحوار وتجعل منها واقعاً نعيشه. لكن الذي لا نعرفه الى الآن هو .. كيف ستتشكل الحكومة الجديدة وهل سيحدث هذا خلال الأشهر القليلة القادمة ام بعد الإنتخابات؟.. الأرجح ان يتم إعادة تشكيل الحكومة بشكل كبير ربما يشمل رئيس الوزراء خلال الأشهر القليلة القادمة. السبب في الدفع بهذا الإتجاه هو أننا نريد ان تكون هناك اجراءات حقيقية على ارض الواقع يراها المواطن وتشجعه على أن الوضع سيتغير وأن هناك أملاً حتى يتشجع ويشارك في الاستفتاء على الدستور وفي الإنتخابات اللاحقة. هذا هو ردي لبائعة المناديل الذي لم استطع ان اقوله لها عندما حاسبتني على مستقبلها ومستقبل بناتها. اقول لها ولكل اليمنيين المنتظرين اننا نأمل من 2014 ان يكون عام خير وأن تتشكل فيه حكومة قوية مهمتها الرئيسية مصلحة الشعب وليس مصالح احزاب أو فئات محددة. منذ لقائي ببائعة المناديل وانا اشعر بالمسئولية الشديدة والخجل امام كل فقير أومحتاج أو شاب محبط أراه من حولي. أريد أن أبث الأمل فيهم ولكن في نفس الوقت يتطلب التغيير اكثر من إرادتي المنفردة. لنأمل ان تكون 2014 هي سنة خير وتفاؤل لكي نستطيع ان نلقي بهمومنا وراء ظهورنا ونبدأ بالعمل الجاد من اجل المستقبل الذي نريده ونحلم به. رابط المقال على الفيس بوك