ذكرى ثالثة تعبر بنا فوق الحاضر والمستقبل , عندما يبلغ حلم الوصول دفة المستحيل تصبح كل المستحيلات متحققة في الواقع , هكذا هي مسيرة الحياة التي انطلقت في 20\ 12\2011. لم تكن تلك أقدام تسعى على الأرض, إنما هي أحلام تسير على قدمين, تعانق الأرض والإنسان , تبحث عن مستحيل تقهره , وجبار تهز عرشه , وتدمر كيانه, وكأن أساطير التاريخ عادت من جديد ,حفاة عراة يسعون للقضاء على مستبد ظالم, لم يقهره أمر كتلك المسيرة, التي يحمل لواءها بركان جارف من الشباب ,بوعي مدني ونضال تاريخي . من الصعب تصور نضال بحجم نضال شباب ثورة فبراير , هذا الجيل الخرافي , جيل صنعته قسوة الاستبداد وقيمة الوطن , فكانت لهم المسيرة أنصع صورة تحمل جل معاناتهم ونضالاتهم. كما يجدر بي الآن بعد عامين من انطلاق المسيرة تصور الأفق الواسع الذي كان يحاصر شباب الثورة وما مدى مقدار ضيقه الآن الذي صار أشبه بهلام واهن . لم تكن تلك الرحلة التاريخية رحلة كولمبس لاكتشاف امريكا ,لا كانت رحلة لاكتشاف ذاك العالم المنسي الذي يسمى الوطن, بحث عن حقيقة الحرية والعدالة والدولة المدنية, بحث عن حياة مستقرة آمنة . هي بالفعل رحلة فوق الذات فوق التصور فوق القدرة فوق الطاقة الكامنة للنضال والوطنية ,فوق الخطط العسكرية والتوقعات الاستعدادية , فوق قدرة المجرمين والقتلة , هي أسطورة الذات الوطنية التي رفعت راية نضال واحدة تحت اسم الوطن , غابت كل المفاهيم والتصورات القاصرة , وتوحدت الأيديولوجيات واستنسخت معالم الحزبية الأرض لتدسها تلك الأقدام بأحذيتها التي تريد لليمن طُهراً من عهر سياسي وتخلف قبلي وحزبي ووعي أصولي تقليدي وفساد تراكمي . لم تكن ألفت الدبعي وهي تروي قصتها في هذه المسيرة, التي فيها ما يشدك إلى أقصى تكوينك ويضغطك كقرص سيدي ليفرغ أكبر مساحة منك لتستوعب حالات الانبهار وقسوة المعاناة المقدمة , وما يضحكك من هول ما تجد من مفارقات ساخرة لا تخلو من عمق عفوي , فيها ما يقفز بك إلى أبعد نقطة يصل إليها خيالك من تصور مساحة الألم وحجم التضحية والبذل وهم يفترشون الصقيع ويأكلون الجوع, كما لو أنها فاكهة مرمية على جنبات الطريق, وألسنة الشمس تختلس النظر إلى أجسادهم لكنها سرعان ما تفر بقوة عزيمتهم وعنادهم . كانوا في كل خطوة ينجزونها يتركون وراءهم الماضي البائس, يذوبون ترسباته بدكهم أوكاره على الأرض, وأقدامهم تخط عابرة ملامح المستقبل الجديد, وبين لحظة وأخرى يساورهم شعور بأن كل شيء يتحول إلى جسد يمشي معهم , ولم تكن عين زرقاء تخطئهم بل صارت الأشجار تتبعهم عنوة في المجد فلاحاً في الخلاص , كلما اجتازوا مكاناً وجدوه أكثر أماناً ورضىً , يلقي عليهم تحية العون والسلام . لن أكتب هنا بخيال شاعر أو فلسفة أديب وإنما بنبض يدق حنينه إلى تلك اللحظة التي حرمت من شرفها لترددي وخوفي بل ربما عجزي , ولم أكن أدرك أنها معجزة ثورة فبراير, إلا حين ظلت جميع وسائل الإعلام تتبع حركتها عن كثب وبدقة بالغة في حادثة هي الأولى من نوعها على مر التاريخ ومهما قلبت صفحات الثورات لن تجد لها مثيلاً . جوهر هذه المعجزة تلك النسوة العظيمات اللائي رسمن خيوط المستقبل جنباً إلى جنب , لم تردعهن تلك الأسئلة الغريبة البسيطة ,هل يمكن للمرأة أن تخرج في مثل هذه المسيرة , هل لها القدرة على تحمل قسوة السفر وشدته, أين وكيف ومتى ستقضي المرأة . كلها أسئلة معتوهة لن تجد لها صدى أمام تحدٍ حتمي ومصير محتدم تخوضه أولئك الرائيات , ما أعظم تلك الروح الوطنية الواحدة التي لم يكن يحدها أفق ولا تماثلها قوة ,سجلت دروساً لن تنسى ولن تمحى من ذاكرة اليمنيين مهما طال أمدها وبعد . رابط المقال على الفيس بوك