سيظل أبناء المحافظات الجنوبية يتذكرون تاريخ 31 ديسمبر 1992 طويلاً بوصفه يوماً حمل الترويع بدلاً من البهجة إلى واحدة من مظاهر الحياة المدنية في حياتهم ،فجمال النهدي وصحبه اختاروا هذا التوقيت للقيام بأعمال تفجيرات في فنادق مدينة عدن الرئيسة (عدن والشيراتون). النهدي الذي بترت احدى يديه في الحادثة هُرٍب من سجن المنصورة لاحقاً في عملية اختراق عجيبة عرفت بعملية تهريب الأفغان العرب بتواطؤ عسكريين في المركز وعدن. لكن قبل ذلك ينبغي الإشارة إلى الخلفية التي مهدت لهذا الظهور في الجنوب وهي تلك الممارسة التعبوية التي بدأت تقوم بها مجاميع متدينة في محافظتي أبين ولحج ابتداء من العام 1991 وعدت هذه الممارسة أول ظهور للجماعات المسلحة في المنطقة ،وكثير من أفرادها كانوا من أبناء الأسر التي نزحت إلى المناطق الشمالية بعد أحداث يناير 86 الدموية وما قبلها، واستقطبت من قبل التيار الإسلامي بسبب أوضاع النزوح التي عاشتها ،إلى جانب مجاميع شابة قدمت من السعودية والخليج بعد أزمة اجتياح القوات العراقية للكويت في أغسطس 1990م (أزمة الخليج وحربها الثانية) وتنتمي أسرها إلى هذه المناطق وسهل اصطيادهم بسبب تكوينهم الثقافي القريب من نزوع التيار الإسلامي الذي بدأ يلملم مكوناته في تنظيم سياسي واحد اعلن عن ولادته في سبتمبر من ذات العام، تحت لافتة حزب التجمع اليمني للإصلاح (الذي نشر مؤيدين له تحت راية نشر تعاليم الديانة الإسلامية حيث كان يرى قادة الحزب حينها أنهم يمارسون دوراً توعويا في مناطق يضعف فيها تواجد الفهم الصحيح للديانة الإسلامية إلا أن الأحداث التي تلت أثبتت أن تحرك هذه الجماعات «كان تحركاً سياسياً صرفاً»، كما أشارت إحدى الدراسات التي نشرت مطلع أغسطس 2011 في موقع صحيفة عدن الغد تحت عنوان القصة الكاملة لظهور تنظيم القاعدة في أبين. هؤلاء الجهاديون سيشكلون في صيف ( مايو/يوليو 94) رأس الحربة لقوى التحالف (العسكري والقبلي والديني)،وهم الذين سيشكلون ظاهرة جيش عدنأبين الإسلامي ابتداء من منتصف التسعينيات للقيام بأعمال جهادية في مدن المحافظات الجنوبية (الكافرة)،وبتسهيلات من السلطات سيقيمون معسكرات تدريباتهم في جبال حطاط والمراقشة في أبين. ابرز الشخصيات التي جادت بها هذه الظاهرة إلى جانب جمال النهدي كان الشيخ طارق الفضلي وخالد محمد عبد النبي و زين العابدين المحضار (أبو حسن المحضار) الذي قاد عملية اختطاف وقتل سياح أجانب في منطقة قريبة من مديرية مودية بأبين في ديسمبر 1998 في عملية سارعت في تحول البلاد برمتها إلى منطقة خطرة في العالم. ارتباط العناصر الجهادية (العائدون من أفغانستان) بأجهزة الأمن ودوائر استخباراتية خاصة بالرئاسة منذ مطلع التسعينيات، كان واضحاً والهدف منه كان مبيتا لاستخدام خطابهم وحماسهم للتنكيل بالخصوم السياسيين وتصفيتهم وجاء وعلى رأس هؤلاء قيادات وكوادر الحزب الاشتراكي اليمني، الشريك الحقيقي في صناعة الوحدة ،لأن تعويل الشارع على الحزب في إعادة إنتاج نموذج مغاير لبناء الدولة الوليدة كان عظيماً، وقادر على سحب البساط من تحت أقدام القوى التقليدية (التحالف القبلي العسكري)،لهذا سارعت هذه القوى في تصدير هذا النموذج الدموي إلى المناطق الجنوبية لإرباك إدارة الحزب في معاقله، ولتتفرغ هي في المحافظات الشمالية لتصفية كوادره من عسكريين ومدنيين. استفادت سلطة التحالف من النزوع الثأري لدى الطرف المنهزم في أحداث يناير 1986 أدى إلى توسع قاعدة التحالف الذي استباح المحافظات الجنوبية ،واضمر على إثره اتفاقاً باقتسام السلطة والثروة وذهب جزء من السلطة (الظلية) إلى الجماعات الجهادية التي بدأت تتوسع في الجنوب تحت مسميات مختلفة من جماعة الجهاد إلى جيش عدنأبين وصولاً إلى أنصار الشريعة التي تسلمت في ذروة الأزمة العديد من مديريات محافظة أبين وصولاً إلى تسلم عاصمتها (زنجبار) في مايو من العام 2011م، قبل أن تتوسع شرقاً إلى عزان شبوة ومديريات أخرى فيها وصولاً إلى مدن مهمة في محافظة حضرموت وكل هذا بتسهيلات لوجستية وعسكرية من اطراف نافذة في السلطة. طيلة سنوات عديدة ظلت رموز الجماعات الجهادية المتورطة في أعمال قتل وترويع في الجنوب قريبة من السلطة في صنعاء فطارق الفضلي الذي اعترف مراراً بأنه كلف بتصفية قيادات حزبية جنوبية ظل طيلة أكثر من عقد ونصف يمثل اليد الطولى للنظام في أبين ومحيطها يحظى بامتيازات قائد عسكري وشيخ سلطنة قبل أن يعلن انضمامه للحراك في العام 2009 في قفزة بهلوانية لابتزاز المركز. أما جمال النهدي الذي تبوأ موقع عضو لجنة دائمة في الحزب الحاكم (المؤتمر الشعبي العام) كافأته وزارة الداخلية مؤخراً بتعيينه مساعدا لمدير أمن حضرموت قبل عام مستفزة بذلك قطاع واسع من الناشطين والسياسيين في حضرموت الذين رأوا في التعيين إيغالاً في تمكين جماعات جهادية في إدارة امن حضرموت. أما الشخصية القريبة من أبي حسن المحضار خالد محمد عبد النبي زعيم الجماعة الإسلامية المتشددة التي اقتحمت القوات الخاصة معاقلها في جبال (حطاط) بمحافظة أبين في يناير 2003 وأعلنت مقتله عادت لتكافئه في 2009 بمنحه تعويضاً مالياً والإفراج عن اتباعه. ذات السلطة وذات مزاج الحرب اللذان فخخا الجنوب باكراً بمثل هؤلاء هما اللذان يفخخانه الآن بجماعات العنف الدموي التي تريد حرف مسار النضال السلمي للحراك إلى مربع العنف والثارات السياسية والمناطقية باهظة الكلفة التي ستدفع ثمنها الجغرافيا شمالاً وجنوباً. [email protected]