كتب/قادري احمد حيدر ويمكننا القول إن المجمع الصناعي العسكري هو أحد أهم المصادر المالية التي تغذي ماكينة الاقتصاد الرأسمالي الأمبريالي ، في صورة العولمة الأمريكية الاستعمارية ، الاحتلالية (أفغانستان ، العراق) ، الذي يحركه اليوم شعار مكافحة الإرهاب العالمي (القاعدة) ، ومن هنا الحديث عن صناعة الإرهاب وإعادة إنتاجه ، عبر نشر وتضخيم أيديولوجيا (الإسلام فوبيا) في صورة تنظيم القاعدة ، الذي تشتغل الميديا الأمريكية – الغربية ، على تسويقه عالمياً ، بعد أن وجدت في القاعدة قوة مكملة لها ، وتبرر شرعية وجودها في منطقتنا العربية والإسلامية ، بقدر ما تبرر كذلك شرعية العديد من الأنظمة العربية ، من وجهة نظر المصالح الأمريكية ، وبهذا المعنى تنظيم القاعدة منفصل ، ومتصل بالعولمة الأمريكية – الغربية ، فالقاعدة تخدم العولمة الأمريكية استراتيجياً ، ومعادية لها تكتيكياً ، " فالقبضة الخفية للعولمة الرأسمالية لا تستطيع العمل من دون مواجهة عدو يبرر وجودها ، وهذا ما أنتجته أدبيات المحافظين الجدد ، بقيادة برنارد لويس ، وتلميذه صمويل هنتجتون ، في اليوم الثاني لسقوط الشيوعية في أوائل التسعينيات ، حين نظرت لعدو جديد اسمه الإسلام . وأحداث 11 سبتمبر 2001م شكلت التتويج الرسمي والعلني لعشر سنوات في العمل الأكاديمي والنظري ، الذي نجح في إضفاء الشرعية الدولية على ممارسات القبضة الخفية للعولمة ، وفي تحويل الشرق الأوسط الإسلامي برمته إلى ساحة قتال رئيسة تحت شعار الحرب العالمية ضد الإرهاب ، وهكذا برزت إلى السطح ليس الخرائط والنظريات وحسب ، بل أيضاً حملات التدمير العلني للنظام الإقليمي العربي ، سواء عبر الحروب المباشرة أو التفجيرات المجتمعية الداخلية"(1) وكلنا ما يزال يتذكر الحملة الأيديولوجية والسياسية التي شنت على المفكر روجيه جارودي حين نشر كتابه حول "الأصوليات" الذي أشار فيه إلى أن جميع الأصوليات صناعة أمريكية – أوروبية على عكس ما يحاول ترويجه الخطاب الأيديولوجي والإعلامي الغربي – الأمريكي ، من أن الإسلام هو حاضنة الأصولية والعنف ، والتطرف ، والإرهاب (الإسلاموفوبيا) التي حولت الإسلام إلى فزاعة واضعة الإسلام كدين في مصاف الإرهاب ، والقاعدة . فالقاعدة حتى اليوم هي جزء أصيل وواقعي من الحراك السياسي / الأمني والعسكري ، والإستخباراتي ، وليست شيئاً أصيلاً وفاعلاً في الحراك السياسي والاجتماعي والوطني العام ، ومن هنا تبدو سهولة مواجهتها وتحجيمها حتى القضاء عليها بصورة سلمية ودون إطلاق رصاصة واحدة في الجو . المهم توافر الإرادة السياسية والوطنية والقومية العامة في أفقها الديمقراطي الحقيقي . إن حالة الخوف من القاعدة أصبحت ذريعة ، وفزاعة سياسية وأيديولوجية وأمنية للخارج في كل الأحيان ، وللداخل في بعض الأحيان . شأن تعاطي نظامنا السياسي اليمني معها . حيناً يرفعها إلى مستوى الإرهاب الأعظم والخطر المحدق ، وحيناً يقلل من دورها وأهميتها حتى الصفر ، أو القول إنها تحت السيطرة ، إن خوف النظام الحقيقي ليس من الجماعات الجهادية أو من القاعدة ، وإنما خوفه الحقيقي من الحركة الشعبية الزيدية الحوثية في الشمال ، ومن الحراك الجنوبي الجماهيري السلمي الذي يرفع شعار تقرير المصير والانفصال . والذي يواجه بأشرّ أنواع القمع والحصار ، على أن خوفه العميق والحقيقي آت من احتمالات أو إمكانية تصعيد اللقاء المشترك كفاحه السياسي المدني بالنزول إلى الشارع ، بعد أن سدت الآفاق أمام أي حوار سياسي ديمقراطي توافقي ، وأمام وجود أي تسوية سياسية وطنية تاريخية تخرج البلاد من هذا المأزق المستحكم ، ويصبح الأمر أكثر جدية وعملية حين يلتقي ويتوحد الشارع السياسي المنظم ، مع الشارع الجماهيري الشعبي الواسع الذي بدأنا نشهد بشائر تحركاته فيما يجري اليوم في كل البلاد من الشمال إلى الجنوب . لا يمكننا حقيقة فصل وجود وحضور وفعل الجماعات السلفية المتشددة ، والتكفيرية والجهادية بعناوينها المختلفة عن صلاتها التاريخية الحميمة بالمؤسسة السياسية الرسمية ، ولذلك حين كان خطاب الحكم يقول في مرحلة معينة إن هذه الجماعات تحت السيطرة ، فهو حقاً كان يدرك ما يعنيه وما يقوله ويرى الأستاذ ناصر يحيى في كتاب التطرف والتكفير في اليمن ، أن "تنظيم الجهاد الإسلامي نشأ قبل الوحدة من مجموعات من المقاتلين اليمنيين الذين كانوا في أفغانستان ، وقرروا نقل المعركة بعد هزيمة الاتحاد السوفيتي إلى اليمن لمواجهة النظام الشيوعي الحاكم في عدن آنذاك – ويرى – أن هناك قناعات سائدة في الوسط السياسي والإعلامي اليمني ، أن تنظيم الجهاد الإسلامي وجد اهتماماً من السلطة في صنعاء كغيره من قوى المعارضة الجنوبية ، وهو أمر معروف – كما يقول – مقابل الاهتمام والدعم اللذين كان نظام عدن يوليهما للمعارضة الشمالية ، وهناك وجهات نظر عديدة تحمل هذا التنظيم مسؤولية عدد من عمليات الاغتيال الشهيرة التي حدثت في الفترة الانتقالية – للوحدة – وكذلك العمليات التي حدثت ضد القوات الأمريكية التي نزلت إلى عدن على خلفية الوجود الأمريكي في الصومال"(2)، وتنظيم الجهاد الإسلامي كان قد شن حملات تكفير وتخوين ضد حزب الإصلاح بسبب مشاركته في العملية السياسية والديمقراطية والانتخابات وقبوله بالتعددية ، وبداية حواره مع عناصر من الحزب الاشتراكي . وبدفع ودعم من أجنحة نافذة في المؤسسة السياسية الرسمية ضمن اللعب بالورقة السياسية الدينية ، ومن هذا التنظيم خرج تنظيم جيش عدنأبين الإسلامي في العام 1997م بقيادة أبو الحسن المحضار الذي اختطف الأجانب وحاول المساومة أو التفاوض بهم ولكن بشروط سياسية قاسية على السلطة ، وذلك حين "اعتقد زعيم الجماعة الإسلامية الجهادية بأنه يستطيع التفاوض مع السلطة من موقع القوة .. وأن السلطة سوف تلبي مطالبه التي كانت سياسية بحتة وليست ذات صفة ، ومطالب قبلية وحقوقية كغيرها من قضايا الاختطاف التي مازالت تجري في البلاد ومنذ أوائل التسعينيات وحتى الآن"(3) لقد رفع زعيم جيش عدنأبين الإسلامي سقف مطالبه السياسية بما شكل إحراجاً للنظام وهو الذي اعترف أنه كان في نظر النظام إسلامياً جهادياً حراً "واليوم أصبح إرهابياً" وهو ما دعا الحكم -بعد مطالبه السياسية الكبيرة ومن ثم قتل السياح- إلى الحكم عليه بالإعدام ، وإعلان إعدامه يوم 7 أكتوبر 1999م وهذه كانت ضربة قاضية لهذه الجماعة التي كان منها الزعيم الجهادي التكفيري خالد عبدالنبي ، وعلي صالح "أبو هند"(4) وغيرهم كثيرون ممن لا زالوا على صلة بالمؤسسة السياسية الرسمية . وكانت الولاياتالمتحدة قد أعلنت جيش عدنأبين قبل أكثر من 15 سنة ضمن سبعٍ وعشرين منظمة وشخصية وجمعية مستهدفة من قبل الولاياتالمتحدةالأمريكية ، وليس بعد إعلان تجديد حضوره مرة ثانية في أبين أكتوبر 2010م ، حيث كان وما يزال الجهادي خالد عبدالنبي يرى في أن "جيش عدنأبين" هو حقيقة دينية شرعية وجزء من الدين وأنه حتماً سيظهر "أي جيش عدنأبين" ، وهي عقيدة جهادية كفاحية عند هذه الجماعات ومنها خالد عبدالنبي الذي أعلن ذلك قبل سنوات قليلة مع صحيفة الديار(5). "وكان طارق الفضلي ، وجمال النهدي ، وخالد عبدالنبي ، وعلي زين العابدين المكنى أبو الحسن المحضار عقب حرب 1994م ، وانتصار ما كان يسمى "قوات الشرعية" قد استقروا مع عدد من المجاهدين في مدينة جعار ، عاصمة مديرية خنفر أكبر مديريات محافظة أبين ، ونشوة النصر أوقعتهم – حسب قول ناصر أحمد – إلى أسلمة المدينة ، نحن مسلمون.. قالها وعيناه تحدقان نحو المسجد الذي بناه "المجاهدون" – بعد ذلك – على أنقاض دار السينما التي دمرها الفتية بعد إحكام سيطرتهم على المدينة "(6) وفي مقابلة صحفية أخرى مع الجهادي خالد عبد النبي أجراها الصحفي خالد الحمادي يقول "من عام 1992م توجهت إلى أرض الجهاد في أفغانستان ضمن مئات الآلاف من أبناء المسلمين من شتى بقاع المعمورة ، وأخذنا بعض الدورات العسكرية في أفغانستان ، وبعد أن قضينا عدة أشهر عدنا إلى السعودية ومارسنا أعمالنا بشكل طبيعي ، حتى وقعت أحداث صيف 1994م في اليمن ، حيث وقعت تلك الحرب ونحن في أبين ، وشاركنا في تلك الحرب ضد قوات الحزب الاشتراكي"(7) وكان الشيخ السلفي المتطرف مقبل الوادعي يهاجم ويكفر الجميع من المملكة السعودية مشككاً في شرعية نظامها ، إلى تكفير الحزب الاشتراكي (الجنوب سابقاً) وأمريكا والغرب في الوقت الذي يمتدح الحكومة اليمنية والرئيس علي عبدالله صالح ويتغاضى في أغلب الأحيان عن توجيه أي انتقادات للسلطة اليمنية ورموزها ، ويوجه انتقادات للتجمع اليمني للإصلاح ، والجماعات الشيعية ، وهو لا يعترف بالانتخابات والأحزاب والبرلمان ، وحقوق الإنسان وحرية الرأي ، ويعتبر الديمقراطية كفراً"(8) وفي السياق ذاته يقول المسؤول الإعلامي للقاعدة أحمد منصور إنه خلال الفترة من 1990م – 1994م "كان أسامة بن لادن يمنعنا من أن نصوب أسلحتنا أو القيام بأي أعمال عسكرية ضد الحكومة اليمنية ، بل أن نصوبها ضد الشيوعيين في الجنوب ، وكان لنا دور كبير في حرب 1994م (...) فنحن أول من دخل معسكر العند في لحج ، ومعسكر مُرة في شبوة "(9). إن علاقة المؤسسة الرسمية في فترة حكم علي عبدالله صالح ، بالجماعات التكفيرية ، والجهادية ، والقاعدية ، وصلت حد التحالف الاسترتيجي في المراحل الأولى ، وإلى التحالف التكتيكي في مراحله الأخيرة ، وهو ما تشير إليه صراحة وبوضوح العديد من التقارير الدولية ، والأبحاث الاستراتيجية الاختصاصية في شؤون الأمن ، والإرهاب ، وفي تقرير أخير مطول للباحث " جيرمي سكايل" تحت عنوان "لعبة الولاياتالمتحدة الخطرة في اليمن" قال فيه " إن صالح – يقصد الرئيس علي عبدالله صالح – نظر إلى تنظيم القاعدة كحليف مناسب لبعض الوقت ، يمكنه أن يستغله لحمايته من التهديدات المحدقة التي تهدد سلطته ، بما في ذلك الحركة الانفصالية في الجنوب ، والمتمردون الحوثيون في محافظة صعدة الشمالية ، واستعرض التقرير استغلال صالح للجهاديين بدءاً بحرب صيف 1994م الأهلية ، ثم معاركه ضد الحوثيين في الشمال ، وبهذا الخصوص أورد الكاتب تصريحات لمسؤول أمريكي كبير عمل في السابق في مكافحة الإرهاب ولديه خبرة كبيرة في اليمن ، لكنه أصر على عدم كشف هويته بسبب حساسية العمليات التي عمل عليها قال: هؤلاء هم البلطجية الذين كان صالح يستعين بهم للسيطرة على أي عناصر تثير المشاكل ، ولدينا حالات كثيرة جداً ، حيث كان صالح يعمد فيها للاستعانة بهؤلاء الأشخاص من تنظيم القاعدة للتخلص من خصومه المعارضين لنظامه ، وبسبب قيمة الجهاديين بالنسبة لصالح – يضيف المسؤول – فقد تمكنوا من العمل بحرية ، بل كانوا قادرين على الحصول على وثائق يمنية ، والسفر بها ، وكان صالح بالنسبة لهم المصدر الأكثر أماناً ، لقد حاول أن يجعل من نفسه لاعباً مهماً من خلال اللعب بهذه الورقة"(10). والكل مايزال يتذكر أنه بعد الحرب والانفصال 1994م "نشطت جماعة الجهاد الإسلامي التي خرج منها بعد ذلك جيش عدنأبين الإسلامي 1997م – الباحث – بشكل علني ، وتم دعمها من قبل السلطة ، وسيطرت على العديد من المواقع كمراكز الشرطة ، والنقاط العسكرية ، وبعض المساكن ، والمواقع التي كانت تابعة للحزب الاشتراكي في المناطق التي تم السيطرة عليها من قبل السلطة في عدن ، وأبين ، ولحج ، والمكلا ، وبدأوا ممارسة بعض مهام السلطة القضائية والتنفيذية ، ومنعوا شرب الخمر ، والتجول في شوارع هذه المناطق وهم يحملون السلاح ، ويلبسون الملابس العسكرية ، ولم يظهر من السلطة ردٌ أو استنكار لهذه الأعمال"(11)، وهو دليل صلة وعلاقة تاريخية حميمة بين الطرفين ، ولا يمكننا قراءة أحداث ووقائع الحرب والانفصال منذ بداياتها الأولى حتى إعلان تفجير الحرب في 1994م بدون إدراك صلة الجماعة السياسية التكفيرية الدينية والجهادية القاعدية بالمؤسسة السياسية الرسمية وهو ما تؤكده جميع الوقائع والاعترافات العلنية للجماعات الجهادية ، سواء في المقابلات الصحفية معهم ، أو في ما يشبه المذكرات الصحفية التي ينشرونها في الصحافة بين آونة وأخرى ، وهو جيش جرار من جميع الجنسيات الجهادية المتطرفة التي اشتركت في حرب 1994م "فاليمن لم تتحول إلى ملاذ آمن للقاعدة بين عشية وضحاها (...) فالقاعدة – تحت التسميات المختلفة – الباحث – كانت حاضرة في اليمن قبل أن تكون الولاياتالمتحدة قد عرفت الجماعة ، أو أدركت بأنها تشكل تهديداً كبيراً ، فمنذ ديسمبر 1992م حاولت القاعدة قصف فندق عدن حيث كان ينزل فيه أفراد من قوات الأمن الأمريكي ، وكان هذا ربما أول هجوم حقيقي للقاعدة (...) هذا كان تقريباً قبل ثماني سنوات من الهجوم على المدمرة الأمريكية يو إس ، إس ، كول – الذي وقع عام 2000م ، فالقاعدة كان لها دائماً موطئ قدم في اليمن"(12) ولا يستطيع أي باحث علمي موضوعي جاد أن يقرأ حرب 1994م دون العودة إلى تلك الخلفية التاريخية التي تم سردها ، كما لا يمكنه القفز على الفتاوى السياسية ، والفتاوى الدينية التي أطلقت لتعبيد الأرضية السياسية والسيكولوجية ، والروحية لحرب 1994م ، فالفتوى السياسية الرسمية تمثلت في رفع شعار الوحدة بالحرب ، والوحدة بالدم ، والوحدة أو الموت ، والفتوى الدينية للشيخ عبدالوهاب الديلمي التي أذاعها بالصوت والصورة تلفزيون صنعاء ، ونشرتها جريدة الإيمان(13)، إنما تتمثل في الدعوة إلى قتال المرتدين ، والمشركين ، الكفار ، والدعاية الأيديولوجية الدينية لها جسدتها شعارات من مثل : "من جهز غازياً فقد غزا" "شهداؤنا في الجنة وشهداؤكم في النار" ...إلخ . والفتوى الدينية هنا ليست مفصولة عن الفتوى السياسية ، فكلاهما يكمل الآخر ويقود إلى نفس النتيجة السياسية العملية ، و هي الهيمنة على السلطة والثروة ، وهنا تتأكد بصورة واقعية وعملية صلة المؤسسة السياسية الرسمية ، بالجماعات الدينية التكفيرية والجهادية كأوضح ما يكون الاتصال والعلاقة . فالفتوى الدينية جاءت لتضفي شرعية مقدسة للحرب ، وكأننا أمام حرب دينية بين مسلمين وكفار ، وهي الحرب التي دعمتها أيديولوجياً و(دينياً) فتاوى بن لادن لمجاميعه الجهادية في اليمن لمقاتلة الحزب الاشتراكي وهو ما يقوله د. نبيل الرزاقي عن هذه الحرب فقد أشار في كتابه إلى أن "الحكومة غضت الطرف في البداية وأعطت الفرصة لعناصر التيار الإسلامي المناهض للحزب الاشتراكي في بعض المحافظات الجنوبية والشرقية للقيام بدور محدود في تثبيت الأمن والاستقرار مثل : إدارة بعض مراكز الشرطة والإشراف على النقاط العسكرية في المناطق التي تم طرد قوات الحزب الاشتراكي منها ، خصوصاً في محافظات عدن ، ولحج ، وأبين ، إلا أن عناصر هذه الجماعات – كما يقول – د. الرزاقي – قد تمادت وتجاوزت حدودها وأساءت بتصرفاتها الفجة وسلوكياتها المتزمتة إلى النظام والقانون وإلى سمعة الدولة داخلياً ، وخارجياً ، وأدركت السلطة أن هذه الجماعات قد أقامت نفسها مقام السلطتين القضائية ، والتنفيذية ، بعد أن قامت بتطبيق الحد الشرعي على بعض المواطنين عقاباً لهم على أعمال (...) مثل السرقة ، وشرب الخمر ، بالإضافة إلى سجن بعض المواطنين دون تهم قانونية (...) وبالتالي الاستيلاء على بعض المواقع والمقرات والمساكن التي كانت تابعة للحزب الاشتراكي وعناصره ، وقياداته ، والتجول العلني بالسلاح وهم يرتدون الزي العسكري الرسمي"(14) وهو التأكيد العملي لصلة المؤسسة السياسية الرسمية بالجماعات التكفيرية ، والجهادية القاعدية المختلفة وهي صلة وعلاقة تاريخية . ومجاميع كبيرة من هؤلاء التكفيريين والجهاديين المتشددين تم استيعابهم بعد حرب 1994م في الأجهزة المدنية ، والأمنية والعسكرية والاستخبارية وهو الأخطر هنا ، كاستحقاقات سياسية ومادية ووظيفية لأدوارهما السياسية والأمنية التاريخية والراهنة ، والتي لم تتوقف حتى اللحظة مع بعض هذه الجماعات التي قبلت بالعمل تحت شعار طاعة ولي الأمر . ومن هنا شعور بعض الجهات الأمريكية ، والأوروبية بعدم جدية النظام في مكافحة القاعدة والإرهاب ، وهو ما دعا الباحثة الأمريكية الين نيكماير إلى القول في مجلة السياسة الخارجية الأمريكية "أن لاحاجة لأمريكا لنظام صالح لمحاربة تنظيم القاعدة ، وأنه حتى مع تنظيم القاعدة في اليمن قام صالح ونظامه باختلاق المشكلة بدلاً من السيطرة عليها ، خلافاً لمعظم الحكومات العربية(...) وأن نظام صالح سمح لمقاتلي تنظيم القاعدة بتشييد منازلهم في اليمن ، وأنه برغم تمكنه من جلب مليارات الدولارات من المساعدات الدولية للقضاء على الإرهاب يجد الأمريكيون تنظيم القاعدة يزدهر أكثر في اليمن"(15).. وتشير بعض الأبحاث إلى أن "عدد مقاتلي التنظيمات الإرهابية المشاركة في حرب 1994م تزيد عن 60 ألفاً، ستين ألف مقاتل من يمنيين ، ومصريين ، وفلسطينيين ، وأردنيين ، وسودانيين ، وغيرهم من الجنسيات العربية"(16) وما يؤكد صدقية الرقم القتالي المشارك في حرب 1994م ، هو تصريح حسين محمد عرب وزير الداخلية عن ترحيل اليمن ما يزيد عن أكثر من عشرين ألف جهادي أفغاني إلى خارج اليمن ، وقبله كذلك تصريح عبدالقادر باجمال بترحيل 14 ألفاً أربعة عشر ألف جهادي إلى خارج اليمن(17) عام 1996م ناهيك عن عمليات الترحيل التي جرت دون إعلان وتحت ضغوط عربية ، وإقليمية ودولية والتي لم يعلن عنها . وجميعها أدلة ناصعة على صلة المؤسسة السياسية الرسمية بالجماعات التكفيرية والجهادية القاعدية ، فقد كانت اليمن نقطة تجمع وانطلاق لهذه المجاميع إلى المواقع القتالية المختلفة . هوامش - سعيد محيو ، صحيفة الخليج الإماراتية ، الخميس 13/1/2011م . 2- ناصر أحمد يحيى كتاب "التطرف والتكفير في اليمن : المواجهة بين المؤتمر والإصلاح بعد اغتيال جار الله عمر " ص 59 -60 . 3 - صحيفة الثوري / صنعاء / الخميس 4/10/2001م العدد "1689" ص 5 تقرير 4 -وفي مقابلة صحفية مع صحيفة الوسط صنعاء الأربعاء 10/8/2005م عدد (164)ص 7 يقول الشيخ الجهادي علي صالح أبو هند "كنا جماعة متمسكة بكتاب الله وسنة رسوله ، وكنا نرفض أن يكون الجهاد لغير الله وكان أميرنا حينها أبو الحسن المحضار ، أما أمير المعسكر فقد كان خالد عبدالنبي ... وما فرق الشباب هو طلوع الشباب إلى صنعاء والتزاحم على أبواب الأمن السياسي ، وأشار قائلاً : كنا نملك العدة التي أمرنا بها الله ومنها صواريخ سام ومدافع الهاون ، والدوشكا ، وألغام مضادة للدبابات والأفراد إضافة إلى الأسلحة الرشاشة والقنابل .. وفي سؤاله عن استلام أموال من السلطة أجاب : بعض من أفراد الجماعة ، أما بالنسبة لي فلا أستلم وكنت قد سجلت اسمي ضمن الأسماء التي رفع بها إلى الدولة كي تعطينا ولكن حدث خلاف مع الشخص المسجل الذي رفع بالأسماء ، فحذف إسمي في صنعاء وفي سؤاله عن: هل شاركتم في الحرب إلى جانب الشرعية في 1994م ، أجاب : نعم ، شاركنا مشاركة حقيقية باسقاط منطقة جعار وإخراج أخ لنا كان مسجوناً في قضية محاولة اغتيال الأمين العام للاشتراكي علي صالح عباد مقبل كما استولينا على ما كان يسمى بمعسكر المرأة (الميلشيات) حوار مع الشيخ الجهادي علي صالح "أبو هند" . 5 - خالد عبدالنبي مقابلة مع صحيفة الديار اليمنية / صنعاء – حاوره الصحفي خالد الحمادي ، الأحد 13/7/2008م العدد (57) ، ص 3. 6 - صحيفة المصدر صنعاء الثلاثاء 28/9/2010م العدد (134) ص 10 . 7 - خالد عبد النبي حوار مع صحيفة الديار صنعاء الأحد 13 يونيو 2008م عدد(75) ص 3 أجرى الحوار خالد الحمادي. 8 - د. فلاح عبدالله المدرسي مصدر سابق ص 25 . 9 - د. نبيل علي الرزاقي ، مصدر سابق ص 99 نقلاً عن أحمد منصور المسؤول الإعلامي للقاعدة في اليمن ، لقاء مع صحيفة الوسط 30/1/2008م عدد (181). 10 - صحيفة المصدر / صنعاء ، الثلاثاء ، 5/4/2011م ، العدد رقم (160) ، صفحة الترجمات ، ص10، 11، 12 . 11 - د. فلاح عبدالله المدرسي كتاب "الحركات والجماعات الإسلامية في اليمن " ص 31-32 ، إصدار مركز الدراسات الإستراتيجية المستقبلية ، جامعة الكويت العدد السابع مايو 2005م. 12 -تقرير فصلي إستراتيجي يصدر عن مركز الجزيرة للدراسات والبحوث ، العدد الثاني ، ص53 يونيو 2010م . 13 - عبد الوهاب الديلمي ، صحيفة الإيمان صنعاء الثلاثاء 21يوليو 1994م العدد (24) . 14 - د. نبيل علي الرزاقي مصدر سابق ، ص 104 -105 . 15 - نقلاً عن صحيفة النداء / صنعاء ، الأثنين 14/2/2011م العدد (265) ص 6. 16 - د. محمد علي المخلافي صحيفة الثوري صنعاء الخميس 14 يناير 2010م العدد (2082). 17 -أحمد علي الزرقة انترنت تحت عنوان "تحولات تنظيم القاعدة في اليمن" نشوان نيوز 6/2/2010م.