كانت تعز الجغرافيا والديمغرافيا لاتشبهها مدينة يمنية رغم بقية المدن من تاريخ قديم في جمال المباني وفرادة العادات والحرف اليدوية والمعالم الدينية والأثارية كصنعاء وجبلة وإب وزبيد وذمار وصعدة والحديدة، إلا أن تضاريس تعز التي يحرسها أروع جبل هو جبل صبر، الغني بالمياه والرجال والنساء اللاتي كن يتميزن وإلى اليوم بالزي الجذاب والكفيل بسحر عيون الأجانب وهن ينزلن بالقات والفواكه الموسمية ويعُدن بأجبابهن المليئة بالسلع الغذائية باستثناء الفطير، الذرة الذي كن يخبزنه في البيوت. كان أبناء تعز أرق أفئدة وأكثر تحضراً وأدباً وبساطة وتسامراً ومحبة للغير.. وكانت تعز محصورة بالسور العثماني الذي كان يحيط بها من الباب الكبير ملتوياً نحو الغرب إلى باب موسى ومنه يصعد إلى باب الحديد ويتجه شرقاً إلى سفح جبل القاهرة مروراً بالقرب من وادي المعسل ومتسلقاً جبل القاهرة من جهة الغرب حاضناً لمساجد الأشرفية والمعتبية وعبدالهادي ومن السفح الشرقي منزل إلى وادي المدام ثم حدبة التي كانت فيها مدافن الحب، وينتهي في الباب الكبير إلى أن أكله سُرّاق الأراضي وآثار المدن وكان أبرز التحولات التي طمست هذا المعلم شريط الدكاكين والعمارات التي حلت محل السور وتقطع السبيل إلى سوق الشنيني الشعبي الشهير. وماعدا ذلك كانت توجد بعض البيوت القليلة البسيطة المبنية بالآجر ومازال أحدها قائماً أمام الباب الكبير والثاني أمام باب المخلولة وبعض البيوت التي ظهرت بجوار المستشفى الأحمدي، الجمهوري حالياً وحارة الجزارين غرب المدرسة الأحمدية التي التحقت بها في بداية الخمسينيات وأثناء قيام ثورة 23 يوليو في مصر وفي سوق الصميل والجحملية وأكمة العكابر وفي خارج باب موسى، أي أطراف مقبرة الأجينات السفلى التي كانت تساوي في المساحة الأجينات العليا، إلا أنها محيت تحت غابة المباني الاسمنتية تحت شعار الحي أفضل من الميت. كل معالم تعز الطبيعية اختفت ولم تعد المدينة القديمة التي مازال معظمها محتفظاً بطابعه المعماري الأصيل سوى نقطة في بحر الأحياء والشوارع الجديدة التي لا تخلو عمارة منها من الدكاكين لاسيما المطلة أو القريبة من شارع 26 سبتمبر وشارع جمال وما يتفرع عنها شرقاً وغرباً.. شمالاً وجنوباً وبطريقة عشوائية لاتمت للتخطيط الحديث بصلة، وكان ما بين المدينة والعرضي وميدانه مثل الشماسي والضبوعة الغربية والشرقية والجنوبية مخضراً بالأشجار الشوكية القصيرة وكانت الضباع، أي طاهش الحوبان، تتجول باتجاه الضربة أي حي المسبح وتكثر في وادي القاضي حالياً، وكنا نشاهدها من أعلى جبل ضربة علي الذي كسرته الآلات وبُنيت فيه العمارات الحديثة وتسلقته السيارات، لأننا كنا نتسلقه كأي جبل وعر، خاصة يوم الهروب الشهير من المدرسة، عملاً بنصيحة قائد العكفة علي مانع الذي نصح الطلاب بالخروج حتى لايرسل لهم الإمام فرقة من العسكر الشباب الحافين لقتلهم عقاباً لهم على ثورتهم ضد المدير الفلسطيني عبدالقادر صوان بتحريض من الأستاذ المصري عبدالغني مبروك. تعز بجغرافيتها ضاعت بأيدي اللاهثين وراء الدكاكين والبيوت، وهذه طبيعة التطور كما يقولون الذي لايستطيع أحد إنكاره أو تطوره، ولكن المنكر هو التغيير الفسيولوجي الذي طرأ على أبنائها وسكانها حتى صارت مضرب المثل على الفوضى في الثلاث سنوات الأخيرة ومظاهر وأعمال العنف والإجرام والقتل والمخدرات التي أقضت وتقض مضاجع المحبين الحريصين على بقائها منزهة من كل شوائب المرحلة ولعلهم يتحركون ولو ببطء في إصلاح الشباب بإبعادهم عن الأفكار والممارسات الضارة واستعادة الجوهرة التعزية من الغول الأكبر الذي يتربص بها وتحت سمعنا وبصرنا.