من أين أبدأ؟، لا أدري..؟! إن رحيل«رمزية» ليس بالأمر السهل خاصةً في هذه المرحلة الحساسة الحرجة.. لقد كانت أمةً في امرأة.. وامرأة في أمة.. لا يعرف الوهن واليأس والقنوط طريقاً إلى قلبها.. كانت - رحمها الله رحمة الأبرار - دائمة الابتسامة.. بشوشة الوجه.. واثقة النفس.. جريئة في قول الحق.. لا تخاف في الله لومة لائم.. رحلت في صمت الصالحين.. وقنوت الخاشعين.. عاشت شامخةً.. ورحلت صابرةً محتسبة قضاء الله وقدره.. ولا راد لقضائه.. رغم فيض الذكريات الحافلة بالمآثر.. ومحطات الحياة.. ومسارات المنجزات في شتى المجالات سياسياً، ووطنياً، وإنسانياً، وعربياً إلا أن القدر ومشيئة الله أرادت لها الرحيل المفاجئ في زمنٍ استثنائي كان الوطن في حاجة ماسة إليها من أي زمن آخر.. إن ألق المنجزات لا يُقاس بعمر الإنسان.. ولا بطول السنين أو قصرها وإنما بالأعمال المبدعة.. والمآثر الخالدة التي تغيّر سلوك أمة في سويعات.. هكذا كانت الراحلة رمزية الإرياني تعمل في صمتٍ ونكران ذات من أجل أن تسود المحبة والمودة ويبتسم الجميع.. عزاؤنا أن ضياءها وإشعاعاتها ومآثرها وقيمها وأخلاقها ما زالت تسكن أفئدتنا وعقولنا ووجداننا.. إن الزمن الجميل الذي عاشته في تعز الحالمة.. تعز الثقافة.. تعز الحضارة.. تعز المنارة منذ نعومة أظافرها طفولةً.. ومراهقةً.. ودارسةً هي التي صنعت منها رمزية المرأة الاستثنائية بدرجة امتياز.. إن الذين يرحلون في ذروة العطاء والنقاء الروحي والإبداعي لا يتكررون.. وإن تكرروا لا يتماثلون.. ولا يتناظرون.. رمزية الإنسان في أمة.. رحلت جسداً.. أما روحها وألقها المتوهج.. وقيمها ومآثرها ستظل تضيء دروبنا الحياتية مدى ما حيينا.. فالنساء العظيمات خالدات في ذاكرة شعوبهن.. أحياءً وأمواتاً.. والتاريخ سيدوّن مآثرهن في وثائق مخطوطة بماء الذهب.. تقديراً لأدوارهن الرائدة.. إن المسارات المليئة بالمآثر في حياة الراحلة «رمزية» المرأة التي لا تُهادن في حقوق بني جنسها أياً كانت النتائج والعواقب رغم وجع الأيام والسنين أثبتت أن الحقوق لا توهب.. وإنما تنتزع نزعاً.. ماذا أقول عن رحيل امرأة بحجم نساء اليمن عقلاً.. وحكمةً.. وحصافةً.. وفطانةً.. وروية، ودقةً.. ورأفةً.. ودبلوماسيةً.. وبشاشةً.. وكل أندادها وصديقاتها وأحبابها من الجيل القديم والجديد يكنّون لها كل حب ووفاء وتقدير وإجلال.. رحلت رمزية المرأة الاستثنائية وتركت لنا زاداً روحياً وتراثياً وثقافياً وأدبياً حافلاً بالإبداع والتميز والفرادة رغم عتامة وضبابية الفراق.. وهكذا تدور عجلة الزمن.. وتترك لنا نتوءات عميقة في جسد الذكريات المليء بالمطبات والعشوائيات.. وتبقى الذكرى الجميلة هي سيدة الموقف والزمان والمكان.. يرحمك الله يا رمزية المجد والإبداع وأسكنك المولى العلي القدير فراديس جناته مع الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً.