نعترف جميعا أن العصر من حولنا يتقدم للأمام وتتقدم معه وسائل التكنولوجيا الحديثة التي من شأنها بناء عقلية الإنسان الواقع والطموح وتطوير قدراته وإبداعاته ومهاراته في شتى المجالات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والفكرية ... الخ والتي من شأنها أيضا تقدم أي بلد يكون من أحد أهدافها صناعة الإنسان وعقليته وإحداث تغيير إيجابي في واقع حياته ومشواره العلمي والعملي والاجتماعي.. ورغم هذا التطور الحادث في العالم من حولنا إلا أننا وفي بلدنا و دائما ما نتعامل مع هذه التطورات بمتوالية عكسية مخيفة حيث أنه كلما تطور العصر من حولنا كلما زدنا تراجعا للخلف في مستوى الإنتاج الفكري والثقافي ومستوى تثقيف الفرد والمجتمع بشكل عام والشاهد على ذلك جيل الشباب الذي يمثل النسبة العظمى من سكان اليمن والذين باتوا يفتقرون إلى القدر اليسير من الثقافة والإبداع في شتى المجالات إلا عدد محدود ممن يميلون إلى جانب الثقافة والاطلاع وتطوير الذات .. وإن اردنا إن نفند أسباب ذلك فأسبابه كثيرة جدا ويرجعها الكثير من الناس إلى الأوضاع الاقتصادية والسياسية التي تمر بها بلدنا ولكن هل هذه أسباب تجعل الفكر محدود وعقيم الرؤية وتجعل الفرد عاجزا عن قراءة سطر أو كلمة في اليوم والليلة؟؟ للأسف يسعى الكثير من شباب اليوم إلى إفراغ مخزونهم العقلي من العقل ويتمسكون بتراهات الأمور حتى العلم هجروه إلى غير رجعة واغتربوا عن الكتاب وباعدوا بينهم وبين الثقافة والوعي مسافات ضوئية بعيدة المدى.. لعلنا نلمس وبحزن وألم اتجاه معظم الشباب وبكافة الأعمار إلى سواقة الموترات أو الدراجات النارية وتركوا مدارسهم وجامعاتهم عن سبق إصرار وترصد وتعنت وأصروا على هذا النوع من العمل طلبا للرزق حتى تحولت إلى ظاهرة أو بمعنى أصح كارثة سيئة ومرعبة شملت هذه الفئات العمرية وبشكل ملفت وخطير وينبئ بأن الجهل صار أقرب إلينا من حبل الوريد ويحتلنا ويمشي واثق الخطى ومرفوع الجبين. بالطبع لا يمكننا أن ننكر أن ظروفنا المعيشية والاقتصادية والسياسية صارت مزرية للغاية وتتطلب من الفرد الكد كي يجد مصدر رزق يقيه ذل السؤال والحاجة إنما ما يحدث لأعداد لا يستهان بها من الشباب والمراهقين وجنوحهم لهذا النوع من العمل والرزق لا يمكننا تغاضيه و ينذر بمخاطر و بكوارث مجتمعية شتى ومن كل الجوانب الأخلاقية والعلمية والسلوكية والسبب أن وراءها جيل مفرغ العقل والمعرفة وبذيء السلوكيات منحرف أمي يسيء للمجتمع أكثر مما يفيده. تصيبنا الغصص الجسام ونحن نشاهد جيل بأكمله وأعداد غفيرة من شباب صاروا يتساقطون في حضيض الجريمة والجهل والانحرافات السلوكية والأخلاقية وتنامي منسوب الجريمة بأبشع صورها في أوساط الشباب وارتفاعها لأعلى مستوياتها بسبب الأمية والجهل وغباء الشباب. والمصيبة ان هذا الجيل الأمي يتكاثر كل يوم أكثر من سابقه وأصبحنا نلمس تناسل سائقي الموترات بشكل كبير وربما ذات يوم سنضطر مجبرين ان نواجه تقدم العصر بجيش جرار من شباب عاطل عن الفكر والإبداع والذين سيسهمواً كثيراً في رفد حاضر اليمن ومستقبله بالخواء العقلي والثقافي والتخلف أكثر مما نحن فيه الآن وسنجد أن المدارس قد تحولت أطلالا وانتسب وافدوها وشبابها لعالم الموترات بحثا عن رغيف عيش ذليل وحاضر أذل ومستقبل أكثر ذلا وإهابة. حقيقة فإن هذه لكارثة ليست بهينة وتستدعي استشعار قوي بخطورتها واستشعار للمسئولية من الجميع و وقفة جادة من المسئولين لإيجاد بدائل لما لها من أبعاد كارثية على المدى القريب والبعيد لإنقاذ جيل بدأ يسقط تدريجيا, إن لم يكن قد سقط, في مستنقع الأمية والانحرافات التي أصابتهم وجعلتهم فئة متخلفة و تائهة عقلياً وسلوكياً وفكرياً ونجهل حقاً كيف ستكون النهاية ؟ ما نريده فقط موقفاً جادا من مسئولينا الموقرين الذين يقفون كخشب مسندة لا يقدمون لواقعنا سوى الانتكاسات والبلايا والنكبات, نريد منهم ولو لمرة واحدة أن يستشعروا بمسئولياتهم تجاه ما يستحق المسئولية وليس فقط تجاه المشاحنات وصهيل الكراسي الصدأة بينما أياديكم مشلولة لما فيه خدمة للبلد وبما ينفع للناس. نريدكم ولو لمرة واحدة أن. تشعروا قليلا بمصائبنا وبالمسئولية الجادة تحركوا بمصداقية واخجلوا قليلا وتحركوا بمصداقية لخدمة وطنكم وإنقاذ ما تبقى من رماد ورمل, اخرجوا من الإطار الذي وضعتم أنفسكم فيه وتحولتم مع الزمن لفقاعات صابونية وسراب قاحل يحسبه الظمآن ماء. علينا الاعتراف بمرارة وأسى أن اخطر ما يهدد أي بلد في حاضره و مستقبله أن يكون فيه العلم آآآآآسن ولا (يؤكل) لقمة عيش ولو حافة ويتجه من في هذا البلد إلى شيء يؤمن جوعهم حتى وإن كان فيه فناءهم.