من المؤكد أن الإعلام أياً كان مسموعاً أو مقروءاً أو مرئياً هو لسان حال الأمة والشعب، والوجه الآخر المعبّر عن الهويّة والثقافة والحضارة، فهو الذي ينقل تطلُّعات وآمال الشعب، ويعبّر عن هموم وأحوال المواطنين ويتلّمس معاناتهم الحقيقية. إلا أن ما نلاحظه هذه الأيام هو أن تحوّلت وسائل الإعلام هذه إلى مقاصل إعدام، فهي كل يوم تمارس فنون الخداع والزيف، وتلوّن الحقيقة بألف وجه، وهذا ما نراه واضحاً وجليّاً في بعض القنوات الفضائية، التي لا تعير المُشاهد أدنى احترام أو تقدير، من خلال الافتراءات والمغالطات وتزييف الحقيقة وتجييرها لصالح فئة دون أخرى خدمة لأهداف القناة وسياستها الموجّهة، ضاربة عرض الحائط بكل أخلاقيات ومبادئ المهنة والرسالة الإعلامية، أما الحياد والمهنية فيها أي القنوات الفضائية فهو موجود فقط في بطون الكتب والدراسات، ولا شأن لهم بتطبيقه على واقع القناة. هذا في حال القنوات الإخبارية التي ترهن مهنيتها وسياستها التحريرية حسب أجندة الداعمين والمموّلين أو خضوعاً لسياسة الدولة، وهذا ما يجعلها تنفذ سياسة ما يملى عليها، ولا تأبه كثيراً للموضوعية والمصداقية. ففي ظل انفتاح العالم على عصر المعلومات وثورة التكنولوجيا الحديثة وطغيان رأس المال على القيم والمبادئ والأخلاق؛ أصبح اليوم رأس المال هو الموجّه والمسيّر لدفة الإعلام، بل أصبح الكثير من رجال المال والأعمال يمتلكون مؤسسات إعلامية ضخمة وعملاقة؛ يديرون من خلالها أعمالهم، وينفّذون أيضاً أجندة أسيادهم، فاستقطبوا وأغروا الكثير من الصحافيين ورجال الفكر والسياسة بالمال لتقديم برامج مختلفة على وسائلهم الإعلامية، ولكن رغم هذا الإنفاق على هذه المؤسسات الإعلامية لا نجد لديها رؤية أو استراتيجية واضحة لخدمة المشاهد أو القارئ، أو لنقل الحقيقة بمصداقية، وإيصال المعلومة والفكرة دون رتوش. ولأن الهدف من هذه المؤسسات الإعلامية والقنوات الفضائية مادي بحت ولا علاقة لها بالمصداقية واحترام عقول المشاهدين والمهنية والحياد، تعمد بعض المؤسسات إلى فتح أكثر من قناة فضائية متنوّعة «إخبارية.. رياضية.. دينية وسينما وقناة للأطفال وقناة للرُقية الشرعية وقناة أخرى تبيع الوهم وتمتهن الاحتيال بدعوى المسابقات، بل حتى قناة خاصة لتلاوة القرآن الكريم على مدار الساعة» وما ذلك إلا نوع لجذب المشاهد بأنها تقدّم خدمة جليلة للإسلام، وتخدم المجتمع، ومقابل هذه القنوات كلها تبث قناة خاصة بالأغاني.. وأية أغانٍ..؟!. أغانٍ تعتمد على لغة الجسد والإغراء فقط دون أي معيار فني؛ بل لا تمت إلى الفن أساساً بأية صلة، فهي تقوم على إثارة العواطف والغرائز؛ ولا تبالي بجمهور المشاهدين وتحترم ذوقه حين تخدش حياءه بفن الفيديو كليب وأغاني الرقص والإسفاف المبتذل. هكذا تكون وسائل الإعلام حين تنحرف عن رسالتها الإعلامية الراقية والهادفة للنهوض والتقدُّم، وحين يصبح الإعلام مرتهناً وخاضعاً لسيطرة رأس المال، ومسيّراً نحو أهداف وغايات الداعمين، ليزيّف وعي الناس، ويدلس على أفكارهم ويغيّب الحقيقة، ومثل هكذا إعلام لا ينتج لنا إلا مجتمعاً مشوّه الفكر، ممسوخ الهوية، فاقداً لبوصلة الحقيقة والمعرفة. ما يفعله رأس المال اليوم في مؤسسات الإعلام العربي هو تدمير لشرف المهنة وأمانة الكلمة، واحترام المشاهد، تشويه للرسالة الإعلامية الصادقة من خلال التلاعب بعقول وجمهور المشاهدين، فتضيع الحقيقة وتموت المهنية والحياد، ولا يبقى سوى صناعة إعلام مسيّر يخدم أهداف رأس المال..!!.