لا أريد استباق الأحداث والتكهن بما سيتم فعله بعد انتهائنا من مؤتمر الحوار الوطني، وخروجنا منه بحزمة إصلاحات وترميمات جوهرية في بنية النظام وكيفية إدارته، وهل سننجح في الخطوات التي تطال السلطة التنفيذية والعمل المؤسسي، وإعادة بناء وهيكلة الدولة الاتحادية لليمن الجديد؟. بقدر ما علينا أن نتجه إلى تلك الخطوات بالتفاؤل المفرط والحماس الشديد، علينا في المقابل أن نغلّب الحكمة في كل خطوة نُقدم عليها، حتى تتم عملية الإصلاح لنظام وإدارة الحكم بعيداً عن الارتجالية والمجازفات التي لا تقوم على دراسة متكاملة للمقدمات التي نتجت عن التوافق ومن ثمة التوقع العملي للنتائج التي قد تظهر أثناء الاحتكاك بالواقع الاجتماعي. الكل متفائل حيال ما تم تحقيقه حتى الآن وتلك إيجابية مطلوبة للعمل، أياً كان نوعه، يبقى الاصطفاف الاجتماعي المطلوب لتسهيل مهمة الإدارة الجماعية ونجاحها، شريطة أن تثبت مرونتها وشفافيتها مع المتغيرات التي قد تصاحبها بعض المتاعب، لكن الإصرار على الانتقال بالوضع إلى مستويات أفضل سيدفع بها إلى درجة عالية من الأداء النوعي المنظم، واستقطاب فرص التفوق . الدولة اليمنية الجديدة بحاجة ماسة وضرورية إلى النهج والممارسة الواضحة المعالم والأهداف، ويجب الوصول بالسلطة وفق البناء الجديد لتكون خالية من بؤر الفساد والملوثين به. في اعتقادي أن أول ما يجب على الدولة والمجتمع هو استقلالية جهاز الرقابة والمحاسبة وربطه بالقضاء الإداري كمؤسسة تجمع فيها الكفاءات النزيهة، وضبط كل ما يتعلق بها بحيث لا سلطان عليها إلا مجلس النواب. مبدأ الثواب والعقاب قاعدة أساسية يجب تفعيلها وعدم تجييرها لصالح هذا الحزب أو ذاك، وإنما تصبح ميزاناً للجميع من رأس الدولة وحتى قواعدها بدون استثناء أو التفاف من قبل أحد، على أن يمتد ذلك الميزان إلى كل مفصل من مفاصل الدولة ومؤسسات المجتمع، حتى لا يذهب الوقت والجهد والإمكانيات في مهب الريح، والسلطة يجب أن تركز كل إمكاناتها وجهدها في تنمية وتطوير اليمن، الأرض والإنسان. إن السلطة الجديدة يعوّل عليها قيادة التغيير والتنمية والإصلاحات الوطنية، ولكي تصبح إعادة بنائها مطلباً وطنياً ودعوة جماهيرية عميقة الأثر والفعل والتغيير، لابد وأن يصب النظام الجديد في دعم وتقوية البناء المؤسسي للدولة وتموضعها في مدارها الديمقراطي المتجدد غير المتكلّس. لابد من العمل الجاد للتخلص من الثقافة القبلية التي تحاول جاهدة شد الدولة والوطن معاً إلى مرابعها، إننا لا زلنا في مشوارنا هذا نراهن على دولة النظام والقانون والمؤسسات الدستورية التي تعمل ليل نهار من أجل ترسيخ وتجذير قيم الديمقراطية نظاماً تعددياً يستوعب الجميع بدون إقصاء أو تهميش أو احتكار مناطقي أو سلالي لإدارة الدولة. بقي علينا تدشين ثقافة التنافس والإبداع والتخليق الأفضل للواقع المنشود من أجل اليمن الجديد والعبور الآمن إلى المستقبل. [email protected]