إن إرادة الشعوب الحضارية والحية لاتموت أو تصادر، كما أن لها لغة خاصة لاتخضع لمقاييس اللغات ونظام الألسنة وأسلوباً في آنيات الحياة وتخليق التغيير المطلوب في وعي وسلوك وقناعات واختيارات المجتمع وأحكامه. الظلم والقهر والفساد والاستبداد، مصادرة الحريات وإقصاء الآخر، الانفراد بكل شاردة وواردة يتحول إلى خارطة حريق تلتهم الأنظمة والمجتمعات في كل زمان ومكان، طال الزمان أم قصر، تغيرت الوجوه والمسميات أم بقيت على حالها ورتابتها وتوارثها وقصورها وتعرضها للزلزال الاجتماعي والتحلل الديمقراطي. المؤسف أن بعض الأنظمة تصاب بعاهة التبلد وفقدان الاحساس بالمسئولية الأخلاقية والوطنية تجاه إنسانية الإنسان وحقوقه وحرياته، تكونت دوائر من المرتزقة والنفعيين والوصوليين ومحترفي صناعة البراويز والشعارات حول تلك الأنظمة، لايهمهم صلاح الحاكم وأمن واستقرار وتطور ونهوض المجتمع، بقدر مايهمهم توسع نفوذهم وتنامي مصالحهم وأرصدتهم، حتى ولو كان على حساب الحاكم والنظام والمجتمع ومؤسسات الدولة وأجهزتها. متى تسطع القوة الأخلاقية والمؤسسية في نظامنا الديمقراطي لتسير البرامج والخطط والتوجهات والإنجازات بشكل طبيعي دون ضجيج ومساحيق تجميلية، تتطور ببساطة وسلمية إلى قوة فاعلية وقناعات تجديدية وتغييرية في وعي وفكر وممارسات وحياة المجتمع ، بدون معارك صاخبة أو استغلال فاضح لحاجات البسطاء وفقرهم، بل قوة وقدرة نابعة من الحضور الدائم في حياة الناس، من واقعية البرامج ومصداقية المشاريع، من حقيقة التوجه وضمانات النزاهة في القيادات والجودة في العمل والممارسة. قوة النظام الديمقراطي وصحته تستمد من سلامة التعاطي مع الحقوق والواجبات الاجتماعية لكل الشرائح والطبقات، المتفق أو المختلف معهم، ذلك التوجه وتلك المسلّمات تعزز من إيمان المجتمع الكبير بالنهج الديمقراطي وبقدرته على خلق التناغم الاجتماعي والنهوض والتطور التنموي المتسارع، في بلورة الشراكة الايجابية مع كل الفرقاء في إدارة الحياة والمؤسسات، في الوقت نفسه يعمل على إذابة كل الفوارق الطبقية والحزازات النوعية التي تصيب المجتمع بالتآكل وتسرب ثقافة الكراهية والمناطقية إلى وعيه وعلاقاته. الإصلاح الدائم، والتطوير المستمر، والتغيير والتجديد الدوري في البرامج والخطط والأشخاص والقيادات تضمن التواصل بين الأجيال، تعزز قوة النظام وتماسكه وسلامة خطواته، إنها تمنع بشكل دائم أي انحباس أو تكلس ديمقراطي أو مؤسسي، تحول دون تأزم الأوضاع وحدوث الاختناقات أو توقف التفاعل والتمثل الاجتماعي، يتفادى المجتمع أي زلازل ديمقراطية تنسف مكتسباته وإنجازاته. الانحباسات القهرية أو المرحلية في حراكنا الديمقراطي يجب أن نتجاوزها بكل ما أوتينا من صلاحيات وقدرة، أول تلك المنعطفات إحياء الحراك الديمقراطي من خلال إعادة الألق والقدرة والجودة والنزاهة لمؤسساتنا الوطنية والدفع بالشراكة المؤسسية مع الآخر لتحميله المسئولية الاجتماعية والأمانة الوطنية، خلق الممانعة الديمقراطية في مجتمعنا. الزلزال الديمقراطي الذي حدث في تونس ومصر كان مصدره تعاظم نفوذ الفاسدين، انعدام المحاسبة السريعة لكل عابث، السكوت عن الظلم وقهر البسطاء في أقسام الشرطة ومؤسسات الدولة، اللعب بحقوق المواطنين، استغلالهم واثراؤهم اللامشروع. [email protected]