الإعلام المعاصر هو أداة التضليل الممنهج القادرة على تزييف الوعي الجمعي والتلاعب بعقول الأفراد والشعوب, خصوصاً أن التضليل أصبح علماً بذاته وعملاً مسنوداً بخبرات فنون الاتصال والتقنيات المتطوّرة. يعتمد التضليل قاعدتين لضمان قدرته على الخداع ونجاحه في تزييف الوعي الجمعي والتلاعب بعقول الفرد والجماعة, هما: قاعدة الخلط الممنهج بين الحقيقة والأكاذيب؛ وذلك بإخراج الزيف في لباس الحقيقة الظاهرة, ثم قاعدة كتمان الحقائق المعلومة في الواقع. وبعبارة أخرى, فإن التضليل الإعلامي يخرج أكاذيبه بمظهر من الحقيقة، ثم يخفي ما يعلمه عن هذه الحقيقة ولا يعلمه الجمهور المستهدف بالرسالة الإعلامية. في الاعتداءات العسكرية المتكرّرة على جنوبلبنان مثلاً, أو قطاع غزة من قبل جيش الكيان الصهيوني, تأتي الأخبار مركّزٍة أولاً على إطلاق كتائب المقاومة صواريخ في اتجاه كيان الاحتلال؛ يقدم عدوانه العسكري مبرّراً من خلال تصويره كرد فعل, وثانياً بإخفاء ما تعلمه وسائل هذه الأخبار من حقائق هذا العدوان وخاصة ضحاياه الأبرياء من المدنيين العزّل. يستعين التضليل الإعلامي بعلوم النفس وفنون التصوير اللفظي والحسّي لإثارة انتباه الجمهور، والتأثير على اتجاهاته, ثم تغيير سلوكه الخاص والعام. وقد استخدمت شركات السجائر هذه الاستراتيجية, ومنها «مالبورو» التي استهدفت النساء بإعلان مشهور عن رجل البقر الأمريكي الذي يستريح على قمّة جبل وبجانبه امرأة يجمعهما تدخين السجائر, ومثل هذا الأسلوب مستخدم أيضاً في الحملات الانتخابية, خاصة انتخابات الرئاسة الأمريكية. ما يهمنا من هذا التضليل الممنهج هو التوظيف السياسي لهذا الأسلوب أثناء الانتفاضة الشعبية المعروفة باسم «الربيع العربي» حين استند الإعلام العربي عامة وإعلام حلف الأطلسي خاصة إلى واقع الاستبداد القائم في الأقطار العربية كحقيقة واقعية خرجت في هذا الإعلام بلباس الحاجة إلى تغيير هذا الواقع, وتبرير ما يترتب عليه من تدخُّل غربي- أطلسي يستهدف إزاحة أنظمة حكم تحول دون هيمنته على المنطقة العربية أو تحدُّ من توسُّع واكتمال هذه الهيمنة على كل الجغرافيا والسياسيات. يستند هذا التضليل في تزييف الوعي الجمعي وتركيب صورة للواقع تبرز حقائق التسلُّط والطغيان, لكنها توظّف لتبرير التدخُّل الأطلسي وتزييف وعي التغيير بصورة تسمح فقط للاستراتيجيات الغربية ومصالحها بإحكام القبضة على الواقع العربي والتحكُّم بحاضره ومستقبله. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك