يعيدنا خطاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما الأخير إلى مربع التقاطع السلبي بين الجمهوريين والديمقراطيين في الولاياتالمتحدة .. لكنه اليوم لم يعد تقاطعاً سلبياً ثنائياً فحسب، بل تعدَّد ليُمزق الجمهوريين والديمقراطيين معاً، وتلك سابقة غير مألوفة في الداخل الأمريكي الذي سار عقوداً طويلة على خط التوازن الدقيق في لعبة فرقاء الحزبين الكبيرين. في هذه اللحظة تدفع الولاياتالمتحدة الثمن المؤجل لكامل السياسات المغامرة لليمين الجمهوري الذي ظل مسيجاً بعقيدة الحرب الدائمة، والفرص السانحة، والمبادآت المنتشرة أفقياً لتشمل كامل أرجاء العالم. هنا نستطيع القول إن انهيار الامبراطورية السوفيتية كان بمثابة مكر تاريخي حاق بالاتحاد السوفيتي، كما لاحق المشروع الامبراطوري الموازي القادم من غرب العالم. أيديولوجيو اليمين الجمهوري الذين طالما نظَّروا للقدر الإلهي الامبراطوري للنموذج الأمريكي، يقفون اليوم حيارى مسلوبي الإرادة، وهم يتابعون ما يحيق بالنموذج من انتكاسات على خط العمل في الداخل والخارج، وهو ما يمكن استشفافه دون مزيد من التعب، من خلال مفردات خطاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما. هذا القول لا يعني بحال من الأحوال أن الولاياتالمتحدة خسرت تماماً مكانتها كأكبر اقتصاد وأقوى قوة عسكرية في العالم، ولا يعني أيضاً أن أفضليات النموذج الأمريكي انحسرت حتى النهاية، بل العكس تماماً، فالولاياتالمتحدة تمتلك من الاحتياطات المؤسسية والقانونية، ومن الشفافية المرنة ما يمنحها فرصة استثنائية لتستعيد دورها المركزي، بقدر استعادتها لمثابتها الأخلاقية الدولية، وذلك يبدأ بالعدل ، والعدل فقط. [email protected]